Tuesday, December 17, 2019

بين النساء والرجال


بين النساء والرجال
د. يوسف منصور
17 12 2019
صرّح قبل يومين الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما بأن النساء أفضل من الرجال. وقمت بمشاركة هذا التصريح على صفحتي في الشبكة الاجتماعية، فيسبوك، لأفاجأ ببعض المعارضة الشديدة ممن أعلم من أنهم أناس متعلمين ومتقدمين فكريا، الأمر الذي حذا بي لكتابة هذا المقال لشرح وجهة نظر.

لماذا لا نجد نساء اكثر في مواقع قيادية؟ هنالك قاعدة في الاقتصاد أن التمييز (سواء عنصري أو جندري أو اقليمي أو أي نوع من أنواعه) يستمر بسبب استفادة مجموعة منه على حساب الآخر. لذا، تُقابل أي محاولة لمنح المرأة كافة حقوقها بالمعارضة من بعض الرجال (وبعض النساء ربما لبيان التزامهن بالاعراف والتقاليد)، حتى يومنا هذا، على الرغم من أنه ثبت مؤخرا أن النساء حين يستلمون المناصب القيادية الحكومية يقضين وقتاً أطول ويهتمون أكثر من الرجال في تطوير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية وهو ما يلزم لتطوير وتنمية المجتمعات وتنافسيتها.

أمثلة على ممارسات تاريخية مقيدة للمرأة: تاريخيا برع الرجال على مر العصور في اتخاذ إجراءات تقيد حركة النساء ووضعهن الاجتماعي للاستفادة منهن ومن حقوقهن المسلوبة.  فلقد وُضعت أقدام النساء في الصين في أحذية فولاذية، ليس لأن الأقدام الصغيرة كانت أجمل كما كان يدعي الرجال في ذلك الوقت، ولكن لتشويه القدمين وإعاقة حركة النساء لدرجة أنهن لن يتمكن مع الإعاقة من الفرار من ظلم الرجال. وكانت المرأة اليابانية تسير على ركائز خشبية (قبقاب) تُضعف من نمو عضلات الساقين، بالإضافة للباس الكيمونو الملفوف بشدة وضيق حول جسدها مما يضعف من حركة المرأة وعضلاتها كافة، فتمنعها ايضا من الهروب (أيضا كان الساموراي، طبقة النبلاء في اليابان، يحطمون الجسور بين مزارعهم ومزارع الآخرين لكي لا يفر الفلاحين الى مزارع إقطاعيين آخرين). ولم تخلو أوروبا من مثل هذه الممارسات، فالمرأة كانت لا ترث بل يرثها قريبها الرجل الوارث. وتقديم الأوروبيون للنساء أولاً عبر أبواب المباني كان سببه حسب علماء الانثروبولوجيا هو أن الرجال كانوا يتأكدون بذلك من أن عدم هروبهن من الرجال، ومن الطريف أنها تعتبر حتى يومنا هذا سلوك مهذب من الرجل. كما أن لبس النساء للكعب العالي، والذي لا يزال منتشر حاليا، يضعف العامود الفقري ويؤدي الى إضعاف الساقين.
كما كانت تطلب بعض الطوائف الدينية في الغرب من النساء تغطية رؤوسهن في دور العبادة بينما يكشف الرجال عنها لتذكير النساء بأنهن خاضعات للرجال بينما يخضع الرجل الذي يكشف رأسه لأوامر الإله مباشرة. وفي عصر ما قبل الإسلام ، دُفنت الفتيات حديثي الولادة أحياء لتجنب العبء الاقتصادي الذي قد يضيفونه لأنهم لن يتمكنوا من الدفاع عن ممتلكات القبيلة مثل الرجال.

كانت المرأة الأقدر تاريخيا على القيام بالأنشطة الحذقة: حسب كتاب هوموسابيان ليوفال هراري فإن إمكانية أن المرأة هي من اكتشف الزراعة وليس الرجل، كونها تحمل وتجلس وتشاهد كيف تقع البذور على الأرض وتنبت، وهو تحليل منطقي برأيي. وإذا ما نظرنا الى عمل المرأة في المجتمع الزراعي نجد أنها كانت تتخصص في النشاطات التي تتطلب أكثر ذكاء وتعقيدا من نشاطات الرجل الذي يتمحور دوره في الحماية البدنية واستخدام السلاح، والسير خلف الدابة في فلاحة الارض بينما تقوم المرأة بالبذار والحصاد والحفاظ على فائض الإنتاج. كما أن كافة الصناعات التي استخدمها الرجل في الثورة الصناعية بدأت بالصناعات الزراعية، وهي صناعات كانت من اختصاص المرأة (ولا زال بعضها في المجتمعات الريفية)، ومنها: حفظ الفائض من الانتاج الزراعي، كالمربى واللحوم المقددة والفسيخ وصناعة الالبان والجميد؛ الطهي؛ صناعة الخيط وما نجم عنها من صناعة الملابس والخيم؛ صناعة الأدوات من عظام الحيوانات كالأمشطة وغيرها؛ حلاقة شعر الرجل وغيرها من الخدمات التي كانت حصر على النساء.... كل هذه احتلها الرجل بعد الثورة الصناعية وأقصى منها المرأة ولم يعيدها اليها إلا بعد اختراع الحروب وهلاك الرجال مما أحاجه الى إعادتها لسوق العمل. وفي القرن العشرين، ومع تنامي حجم الاقتصاد الخدمي، دخلت المرأة سوق العمل كطابعة، وهي مهارة انتقلت بها لتصبح محللة برامج مع دخول الكمبيوتر لجميع نواحي العمل، ووفقا لمجلة الايكونومست، فإن النساء أفضل في مهنة التحليل المالي من الرجال في الغرب.

النساء والتعلم: غالباً ما تتفوق الفتيات على الفتيان اليوم في مجالات التعلم، في عام 2014 ، وجد التحليل البعديي للاختلافات الجنسية في التحصيل الدراسي المنشور في مجلة "النشرة النفسية" أن الإناث تفوقن في الأداء على الذكور في علامات المدرسة في جميع مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي/ المتوسط ​​والثانوي وعلى المستوى الجامعي. وفي معظم البلدان المتقدمة يذهب عدد أكبر من النساء إلى الجامعة، وبالتالي هن أكثر تدرباً للقرن الحادي والعشرين حيث اصبح الدماغ أكثر أهمية من العضلات. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من التحيزات الموروثة ضد المرأة هناك، فإن توظيفهن في العالم المتقدم، حسب تقارير الأمم المتحدة، ساهم في نمو الاقتصاد العالمي أكثر من مساهمة الصين والهند معا، وإذا ما أردنا أن نضيف قيمة عمالة المرأة المنزلية وتربية الأطفال، يمثل ناتج المرأة أكثر من نصف الناتج السنوي العالم.

تصور لو أن المرأة أخذت كامل حقوقها، ألن تكون الجنس الأقوى؟ الن يكون الكون أفضل وأجمل؟ أعتقد بذلك....

Tuesday, December 10, 2019

ليس دفاعا عن الموازنة

ليس دفاعا عن الموازنة
د. يوسف منصور

تواجه موازنة الحكومة لعام 2020 بعض الانتقادات تتلخص في أنها ليست موازنة استثمارية بل استهلاكية، أي أنها تشجع الاستهلاك وليس الاستثمار؛ تزيد من الاقتراض وبذلك المديونية؛ ليس فيها ما هو كافٍ لرفع معدلات النمو بشكل كبير؛ المطالبة باعادة هيكلة أسعار الطاقة.

بدايةً، أصبحت غالبية دول العالم تتبع المدرسة الكينزية أو نظرية جون مينارد كينز على أنها الاساس للسياسات الاقتصادية في مواجهة الازمات حيث اتبعتها حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا في مواجهة الازمة الاقتصادية العالمية، وكتب جريكوري مانكيو استاذ الاقتصاد الشهير "اذا اردت ان تصغي الى عالم اقتصادي واحد لفهم المشاكل التي تواجهه الاقتصاد، فلا شك ان هذا العالم الاقتصادي هو جون كينز".

وتعتمد نظرية كينز على دور الحكومة في تحفيز الطلب الكلي والذي يتكون من نفقات الافراد، نفقات الاستثمار (الاستثمارات) والانفاق الحكومي، وصافي الصادرات (الفرق بين ما يبيعه البلد وما يشتريه من بلدان أخرى). وعلى أن أي زيادة في الطلب تأتي من احد هذه المكونات الاربعة وهي أيضاً مكون الناتج المحلي الاجمالي.

خلال فترة الركود الاقتصادي او الكساد (فترة طويلة من الركود كما هو الحال في الاردن حيث استمر الركود منذ عام 2010 وحتى 2018 حسب الارقام الرسمية)، تقل ثقة المستهلكين فتؤدي الى تقليل الانفاقات وخصوصاً على المشتريات ذات القيمة العالية بالنسبة للدخل، مثل العقارات. يؤدي هذا الانخفاض في الانفاق الى قلة الاستثمار استجابةً لضعف الطلب على المنتجات.

وطبقاً لهذه النظرية يقع عبء تحفيز الناتج الاقتصادي للخروج من الكساد على كاهل الحكومة ويتوجب بهذا تدخل الحكومة بمعدلات النمو والنشاط الاقتصادي او بما يعرف بالدورة الاقتصادية. فتقوم الحكومة بزيادة الانفاق الحكومي او تخفيض الضرائب او الاثنان معاً.

يؤدي تحفيز الطلب الى زيادة معدل النمو في المدى القصير وليس له أثر يذكر على التضخم (ارتفاع الاسعار) إذا كان البلد في حالة ركود او كساد شديد كما هو الحال في الاردن. كما أنه يؤدي الى بعض التضخم إذا كان الاقتصاد في فترة نمو عاديةٍ أو مرتفعةٍ لعدم تمكن الانتاج (العرض) من مجاراة الطلب.  

تتميز المدرسة الكينزية عن باقي المدارس الاقتصادية هو دعوتها الى تقليل عمق وسعة الدورة الاقتصادية حيث تقوم موازنة الحكومة بالعمل بعكس الدورة الاقتصادية فيقترح كينز تشغيل العمالة وان كان على حساب العجز المالي للحكومة وذلك لتحفيز العمالة والمحافظة على استقرار الاجور اثناء فترة الركود الاقتصادي، وخفض معدل الفائدة لتشجيع الاستثمار، وبالتالي تحفيز جانبي الطلب والعرض.

ويعتبر دور الدولة إيجابي وتفاعلي في الاقتصاد هنا، حيث يعاكس توجهات الدورة الاقتصادية: إذا تراجع النشاط الكلي تقوم الدولة بتحفيزه، وإن توسع انكماش انفاق الدولة لحماية المواطنين من نار الغلاء. وتقوم السياسة أيضاً على أن أجور العمالة هامة لتشجيع وتنمية الطلب، لذا يجب أن تنمو الأجور.

أما بالنسبة للعجز الناجم عن التوسع في الانفاق وبالتالي زيادة الاقتراض ومديونية الدولة فان الاجابة عليها سهلة وواضحة: مع ارتفاع وتيرة الطلب الكلي يرتفع معدل النمو الاقتصادي والنشاط الاقتصادي فيرتفع معها دخل الحكومة من الضرائب والرسوم دون الحاجة الى رفع معدلاتها وذلك لازدياد حجم النشاط الكلي بدلا من انكماشه، اي ان الحكومة ستتمكن من سداد ما انفقته.


الواضح في الموازنة للعام 2020 انها لا تحفز الاستهلاك فقط بل الاستثمار أيضاً الذي يستجيب الى معدلات النمو الاقتصادي الناجمة عن الزيادة في الطلب، كما أن توسع الانتاج يؤدي الى ارتفاع دخل الحكومة دون زيادة العبء الضريبي على المواطن. أيضاً، فان التوسع الذي ورد في الموازنة تضمن زيادة الانفاق الرأسمالي (الاستثماري) مما سيحسن من الممكنات الاقتصادية ويؤدي الى مزيد من النمو مستقبلياً. قد لا يكون الارتفاع في النمو كبير جداً فمعدلات نمو 2004-2008 تحتاج الى تدفقات استثمارية كبيرة ولكن سيؤدي ال معدلات نمو تخرج بالاردن من الكساد الذي يعانيه. اما بالنسبة لأسعار الطاقة، فيجب مراجعتها فعلياً لتقليل كلف الانفاق الاستثماري والانتاجي والاستهلاكي وربما سيأتي هذا لاحقاً، وعلى كل حال حين يرتفع دخل المواطن سيستطيع تحمل هذه الاسعار بشكل أفضل مما لو قل دخله نتيجة موازنةٍ انكماشيةٍ وضرائب مرتفعةٍ اضافيةٍ.  

لقد اثبتت السنوات الماضية أضرار الموازنات التي لا تعتمد عل تحفيز الطلب بل تقوم على رفع معدلات الضريبة والرسوم وأسعار الطاقة التي نجم عنها عام بعد عام ايرادات حكومية اقل بكثير من ما هو متوقع نتيجة انكماش الطلب من خلال تخفيض الدخل المتاح للمواطن وهجرة الاستثمار والانتاج معا، وهو نهج قام على اتباع سياسة صندوق النقد الدولي وبرامجه "الاصلاحية".     


Thursday, December 5, 2019

الحد الأدنى للاجور في الأردن


الحد الأدنى للاجور في الأردن
د. يوسف منصور
5 12 2019

هنالك توجهات من قبل وزارة العمل لرفع الحد الأدنى للأجور، وقبل أن أناقش هذه التوجهات دعونا نستعرض بعض قرارات لجنة تحديد الحد الأدنى للأجور في هذا المجال، حيث بدأ الاردن بوضع حد أدنى للاجور في العام 1999، وكان 80 دينار، تلاه تعديل في 2001 بارتفاع بسيط ليصل الى 85 دينار، ثم في 2003 ليرتفع الى 95 دينار، وتم رفعه في 2004 الى 110 دينار، وفي 2005 الى 150 دينار، وفي 2006 الى 190 دينار، وكان آخر تعديل في 2007 الى 220 دينار، وهو الحد الأدنى الحالي.

الملاحظ أن قرارات الرفع الاولى والثانية صاحبهما ارتفاع في معدلات البطالة من 13.7% في عام 2000 الى 15.3% في عام 2002، وقد لا يكون رفع الحد الأدنى متسبب في البطالة، حيث كانت معدلات النمو منخفضة. ويلاحظ أيضا، أن قرارات الرفع المتتالية للحد الأدنى لم تؤدي الى بطالة في السنوات 2004-2007، بل انها انخفضت الى 13.1%، وذلك لارتفاع ارقام النمو الحقيقي والتي صاحبها معدلات غلاء كبيرة نتيجة تدفق الاموال من الخارج وزيادة الانفاق الحكومي، وارتفاع معدلات الربحية في القطاع الخاص وتوسع النشاط الاقتصادي مما زاد من فرص العمل والتشغيل.

وبناء على تجربة الأردن الحديثة نسبيا (للعلم: بدأت تشريعات الحد الادنى للاجور عالميا في بريطانيا من قبل الملك جيمس الأول في 1604، وكان أول تشريع في العصر الحديث في نيوزيلندا في العام 1894، تلاها تشريعات في أوستراليا في عام 1896 والمملكة المتحدة في عام 1909، لتتواجد تشريعات تتعلق بالحد الأدنى للأجور في أكثر من 90 في المائة من دول العالم.)  ومن خلال مطالعة أولية لأرقام البطالة وقرارات الحد الأدنى للأجور، يصعب الجزم بأن رفع الحد الأدنى للاجور سيؤدي دائما الى المزيد من البطالة أو تخفيضها. ولكن نستطيع أن نجزم أن غالبية قرارات رفع الحد الأدنى للأجور أتت في السنوات الذهبية ذات الدخل والنمو المرتفعين، فكان أثرها (إن صحت مقولة البعض بأنها ترفع من البطالة) غير ملموسة، بل تلاشت مع توسع الأعمال.

وعلى الرغم من أن قوانين الحد الأدنى للأجور سارية في العديد من الدول، إلا أن هناك اختلافات في الرأي حول منافع ومضار الحد الأدنى للأجور، حيث يؤكد مناصرو تشريع الحد الأدنى للأجور بأنه يحسن من مستوى معيشة العمال ويقلل الفقر واللامساواة ويعزز من معنويات العمالة، يندد في المقابل معارضو الحد الأدنى للأجور بأنه يزيد الفقر والبطالة لبعض العمال ذوي الأجور المنخفضة والفئات المستضعفة  كالنساء، والشباب والاقليات، لأنهم لن يتمكنوا من العثور على عمل وسيتم دفعهم إلى صفوف العاطلين عن العمل.  وينقسم الاقتصاديون مناصفة حول أثر الحد الأدنى للأجور فالنصف يعتقد بأنه سيؤدي الى بطالة وخاصة بين المستضعفين وقليلي المهارة، والنصف الآخر لا يعتقد بذلك، وهنالك الكثير من البحوث في هذا المجال في دول العالم المختلفة، ودراسات تختلف نتائجها حسب الجهة أو الفكر الداعم لها وطريقة القياس، وشمولية البحوث لعوامل أخرى.

بناء على ما سبق، ولأن الحكومة تواجه تحد الخروج من كساد اقتصاد طويل وعميق بدأ في عام 2010، ويواجه القطاع الخاص بالنتيجة انكماش طويل الأمد في الطلب نتيجة التحوط من قبل المستهلك وارتفاع الضرائب والرسوم مما خفض من دخله المتاح (بعد الضرائب والرسوم)، وتراجع العرض مع تدني معدلات الاستثمار الخارجي والداخلي، وارتفاع الكلف التشغيلية بسبب رفع كلفة الطاقة الأمر الذي أدى الى مزيد من البطالة بشكل عام (19.1%) حسب آخر تقدير رسمي، وضعف ذلك للشباب والنساء، فإن من المنطق أن تقوم الحكومة بدراسة أي رفع للحد الأدنى للأجور بشكل علمي وموضوعي وأيضا من حيث التوقيت والآثار التوزيعية والمستدامة على كلف القطاع الخاص التشغيلية وتوظيف ومنافع العمالة.

أيضا، هنالك خيارات وأدوات عديدة تستخدمها الدول لتحقيق رفاه العمالة بالإضافة للحد الأدنى للأجور أو كبديل له، كالتدريب بهدف التشغيل، ودعم التوظيف، وتخفيض الضرائب على ذوي الدخل المتدني، ورفع وتيرة الدعم للمستضعفين، وتحفيز العمل النقابي ليطالب العمال ذاتهم ومن خلال نقاباتهم برفع الأجور كل حسب قطاعه وظروفه.

Sunday, December 1, 2019

هل كان الاقتصاد في فترة ركود أم كساد 2010-2018

هل كان الاقتصاد في فترة ركود أم كساد 2010-2018
د. يوسف منصور
1 12 2019
يُعرّف الركود، بشكل عام، على أنه ربعين متتاليين من نمو سلبي للناتج المحلي الإجمالي، والثاني يصف الركود بأنه تراجع كبير في النشاط الاقتصادي الوطني يستمر لأشهر. أما الكساد فهو ركود مطوّل في النشاط الاقتصادي، والتعريف الرسمي للركود هو ربعين متتاليين من الانخفاض في الإنتاج، بنسبة 10٪ على الأقل، حيث يكون الكساد ركود حاد طويل الأجل كأن ينكمش خلاله الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مدة قد تصل إلى ثلاث أو أربع سنوات وأكثر ولفترات طويلة من الزمن، والمثال الأكثر شهرة هو الكساد العظيم أو الكبير االذي حدث في عام 1930 في الولايات المتحدة.
وما يهم الاردنيين هو الاطلاع على ما حصل للناتج المحلي الحقيقي للمواطن (دخل المواطن الحقيقي) خلال العقدين الماضيين، لذا أبين في الرسم البياني أدناه معدلات التغير في الناتج المحلي الحقيقي للفرد منذ 1991 وحتى 2018، والارقام جميعها من قاعدة بيانات البنك الدولي، والتي يحصل عليها من الجهات الرسمية في الأردن مثل دائرة الاحصاءات العامة.


الملاحظ، ومن خلال قراءة أولية للارقام والحقبات الماضية أن معدل التغير في الفترة 1990-1999 كان ايجابياً، وبمعدل ارتفاع 1.4% سنويا في الدخل الحقيقي للمواطن. كما أثر في هذا المعدل نمو حقيقي في دخل المواطن في عام 1992 نتيجة عودة اخوتنا من الخليج نتيجة الحرب الخليجية الأولى وضخ 1.6 مليار دولار من مدخرات وتعويضات. أما في الحقبة 2000-2008، فكان متوسط النمو للدخل الحقيقي للمواطن 3.5% وذلك نتيجة لضخ الاستثمارات من القادمين من العراق في 2004-2008، حيث نما دخل المواطن الحقيقي بالمتوسط البسيط بنسبة 4.06% سنويا.
أما فترة انكماش السيولة وبدء فقدان الغاز المصري التي سبقت الربيع العربي 2009-2010 فقد شهدت معدل نمو حقيقي سالب لدخل المواطن (سالب 1.3%)، والسبب ان النمو في 2010 كان (سالب 2.9%).  تلى هذه الفترة سنين طوال (2011-2017) من انكماش في معدلات نمو دخل الفرد الحقيقي بلغت بالمتوسط الحسابي ( سالب 1.75%) سنويا، أي أن دخل الفرد الحقيقي كان يتراجع سنويا بهذه النسبة. وكانت أعلى نسبة تراجع خلال فترة الحكومة 2012-الى 2015 حيث بلغت النسبة (سالب 2.3%). وكان متوسط التغير سالبا أيضا (2016-2018) ولكن بنسبة أقل بكثير من تلك التي سبقتها (سالب 0.1%). أما عام 2018 بالذات  فلقد نما الدخل الحقيقي فيه بنسبة ضئيلة، ولكنها كانت ايجابية بمقدار (ايجابي 0.1%)، أي أنها شهدت بداية تحسن كبير بالنسبة لما سبقها.
بالنتيجة، يمكننا أن نتبين أن الاقتصاد الأردني شهد فترة تراجع، بل سالب، في نمو الدخل الحقيقي للمواطن منذ عام 2010، وأن هذا التراجع بدأ قبل الربيع العربي والأزمة السورية. ايضاً، إن ولاية بعض الحكومات شهدت تراجع كبير في دخل المواطن الحقيقي كما هو مبين أعلاه، وما على القارىء إلا أن يقارن السنين بفترات هذه الحكومات ليستدل على أيها كان أفضل أداء بالنسبة لدخل المواطن. كما أن دخل المواطن الحقيقي وعلى مدى تسع سنوات كان يتراجع في المتوسط بنسبة (سالب 1.7%)، اي أن الاقتصاد كان يعاني خلال هذه السنوات التسع من كساد عميق، الأمر الذي يحتاج فعلاً الى حلول جريئة.
الحلول، وادرج هنا حلول لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وليس بالضرورة التنمية، والتي تعني في بعض التعاريف معدلات نمو مرتفعة ومستمرة لفترات طويلة من الزمن:
·       يجب تعزيز الثقة بالحكومة فالثقة مهمة لنجاح مجموعة واسعة من السياسات العامة التي تعتمد على الاستجابات السلوكية من الشعب، والثقة ضرورية لزيادة ثقة المستثمرين والمستهلكين بالاقتصاد الوطني، وللأنشطة الاقتصادية الرئيسية، وأبرزها التمويل، كما أن الثقة في المؤسسات مهمة لنجاح العديد من السياسات والبرامج واللوائح الحكومية التي تعتمد على تعاون المواطنين وامتثالهم.
·       لذا، فالحكومة ملزمة بالحد من عدم اليقين في البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال الانفتاح والتركيز على مشاركة المواطنين وتسهيل الوصول إلى المعلومات لتعظيم ثقة الشعب، وتوخي العدالة والإنصاف وسيادة القانون في تقديم الخدمات العامة وتنظيمها، كما أن النزاهة أحد العوامل الحاسمة الأهمية للثقة ، وفهم مبادىء وكيفية تصميم السياسات يمكن أن يعزز الثقة بالمؤسسات وادائها وبين الحكومة والمواطنين.
·       الاقتصاد الاردني صغير، بالإمكان تحويل معدلات النمو فيه بسرعة. لماذا التركيز على معدلات النمو؟ الاستقرار النقدي، إعادة التفاؤل والتوقعات الايجابية لتزيد من الانفاق والاستثمار. فالحكومات، ومنها الحالية، لن تستطيع أن تستمر في نهج الصندوق (التقشف، وزيادة الضرائب والرسوم، وتقليل الدعم، وخفض الانفاق الراسمالي) وإن تشدد الصندوق فيمكن الاقتراض داخليا من فوائض البنوك ولكن ليس بمعدلات فوائد كما في 2004-2008
·       مشاريع تشاركية تجذب الاستثمارات في القطاعات الرئيسية التمكينية (الطاقة، المواصلات، والماء) وإجرائيا، يجب الاعتراف بنقص الكفاءات والاستفادة من الخبراء في طرح هذه المشاريع، واستثمار أموال صندوق الضمان في مشاريع تشاركية تشغل العمالة المحلية بطرق مدروسة وعلمية وشفافة بالشراكة مع خبرات من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية لما لديهم من خبرة واسعة وعالمية وحيادية في مشاريع التشاركية.
أما التحول نحو التنمية، وهي تختلف كثيرا عن النمو، فيتطلب تغيير قانون الانتخابات كما ذكرت الأجندة الوطنية في 2005 للخروج بحكومات تشكلها الاحزاب السياسية. لماذا؟  لتحسين مخرجات الانتخابات بنواب مؤطرين فكريا على مستوى الوطن وليس الجهة أو القربى التي ينتمي اليها الشخص. ويجب تشكيل حكومات من رحم الاحزاب، تراقبها الاحزاب المعارضة كما يحدث في دول العالم المتقدمة، وإلا فستبقى الرقابة انتقائية وتابعة للحكومات أو غيرها دون مؤسسية في الطرح أو النقد أو التغيير. وأيضا، لكي يكون نهج الحكومات مستقر، ومعروف مسبقا، وليس خاضع لمنطلقات الشخصيات الفكرية وتحيزهم العلمي لتدريبهم أو مهاراتهم وتجاربهم الخاصة، وهكذا تحصل استدامة في التوجهات الاقتصادية بعيدا عن الفزعات وأحادية القرار وصومعة الأداء والعمل.