Tuesday, December 17, 2019

بين النساء والرجال


بين النساء والرجال
د. يوسف منصور
17 12 2019
صرّح قبل يومين الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما بأن النساء أفضل من الرجال. وقمت بمشاركة هذا التصريح على صفحتي في الشبكة الاجتماعية، فيسبوك، لأفاجأ ببعض المعارضة الشديدة ممن أعلم من أنهم أناس متعلمين ومتقدمين فكريا، الأمر الذي حذا بي لكتابة هذا المقال لشرح وجهة نظر.

لماذا لا نجد نساء اكثر في مواقع قيادية؟ هنالك قاعدة في الاقتصاد أن التمييز (سواء عنصري أو جندري أو اقليمي أو أي نوع من أنواعه) يستمر بسبب استفادة مجموعة منه على حساب الآخر. لذا، تُقابل أي محاولة لمنح المرأة كافة حقوقها بالمعارضة من بعض الرجال (وبعض النساء ربما لبيان التزامهن بالاعراف والتقاليد)، حتى يومنا هذا، على الرغم من أنه ثبت مؤخرا أن النساء حين يستلمون المناصب القيادية الحكومية يقضين وقتاً أطول ويهتمون أكثر من الرجال في تطوير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية وهو ما يلزم لتطوير وتنمية المجتمعات وتنافسيتها.

أمثلة على ممارسات تاريخية مقيدة للمرأة: تاريخيا برع الرجال على مر العصور في اتخاذ إجراءات تقيد حركة النساء ووضعهن الاجتماعي للاستفادة منهن ومن حقوقهن المسلوبة.  فلقد وُضعت أقدام النساء في الصين في أحذية فولاذية، ليس لأن الأقدام الصغيرة كانت أجمل كما كان يدعي الرجال في ذلك الوقت، ولكن لتشويه القدمين وإعاقة حركة النساء لدرجة أنهن لن يتمكن مع الإعاقة من الفرار من ظلم الرجال. وكانت المرأة اليابانية تسير على ركائز خشبية (قبقاب) تُضعف من نمو عضلات الساقين، بالإضافة للباس الكيمونو الملفوف بشدة وضيق حول جسدها مما يضعف من حركة المرأة وعضلاتها كافة، فتمنعها ايضا من الهروب (أيضا كان الساموراي، طبقة النبلاء في اليابان، يحطمون الجسور بين مزارعهم ومزارع الآخرين لكي لا يفر الفلاحين الى مزارع إقطاعيين آخرين). ولم تخلو أوروبا من مثل هذه الممارسات، فالمرأة كانت لا ترث بل يرثها قريبها الرجل الوارث. وتقديم الأوروبيون للنساء أولاً عبر أبواب المباني كان سببه حسب علماء الانثروبولوجيا هو أن الرجال كانوا يتأكدون بذلك من أن عدم هروبهن من الرجال، ومن الطريف أنها تعتبر حتى يومنا هذا سلوك مهذب من الرجل. كما أن لبس النساء للكعب العالي، والذي لا يزال منتشر حاليا، يضعف العامود الفقري ويؤدي الى إضعاف الساقين.
كما كانت تطلب بعض الطوائف الدينية في الغرب من النساء تغطية رؤوسهن في دور العبادة بينما يكشف الرجال عنها لتذكير النساء بأنهن خاضعات للرجال بينما يخضع الرجل الذي يكشف رأسه لأوامر الإله مباشرة. وفي عصر ما قبل الإسلام ، دُفنت الفتيات حديثي الولادة أحياء لتجنب العبء الاقتصادي الذي قد يضيفونه لأنهم لن يتمكنوا من الدفاع عن ممتلكات القبيلة مثل الرجال.

كانت المرأة الأقدر تاريخيا على القيام بالأنشطة الحذقة: حسب كتاب هوموسابيان ليوفال هراري فإن إمكانية أن المرأة هي من اكتشف الزراعة وليس الرجل، كونها تحمل وتجلس وتشاهد كيف تقع البذور على الأرض وتنبت، وهو تحليل منطقي برأيي. وإذا ما نظرنا الى عمل المرأة في المجتمع الزراعي نجد أنها كانت تتخصص في النشاطات التي تتطلب أكثر ذكاء وتعقيدا من نشاطات الرجل الذي يتمحور دوره في الحماية البدنية واستخدام السلاح، والسير خلف الدابة في فلاحة الارض بينما تقوم المرأة بالبذار والحصاد والحفاظ على فائض الإنتاج. كما أن كافة الصناعات التي استخدمها الرجل في الثورة الصناعية بدأت بالصناعات الزراعية، وهي صناعات كانت من اختصاص المرأة (ولا زال بعضها في المجتمعات الريفية)، ومنها: حفظ الفائض من الانتاج الزراعي، كالمربى واللحوم المقددة والفسيخ وصناعة الالبان والجميد؛ الطهي؛ صناعة الخيط وما نجم عنها من صناعة الملابس والخيم؛ صناعة الأدوات من عظام الحيوانات كالأمشطة وغيرها؛ حلاقة شعر الرجل وغيرها من الخدمات التي كانت حصر على النساء.... كل هذه احتلها الرجل بعد الثورة الصناعية وأقصى منها المرأة ولم يعيدها اليها إلا بعد اختراع الحروب وهلاك الرجال مما أحاجه الى إعادتها لسوق العمل. وفي القرن العشرين، ومع تنامي حجم الاقتصاد الخدمي، دخلت المرأة سوق العمل كطابعة، وهي مهارة انتقلت بها لتصبح محللة برامج مع دخول الكمبيوتر لجميع نواحي العمل، ووفقا لمجلة الايكونومست، فإن النساء أفضل في مهنة التحليل المالي من الرجال في الغرب.

النساء والتعلم: غالباً ما تتفوق الفتيات على الفتيان اليوم في مجالات التعلم، في عام 2014 ، وجد التحليل البعديي للاختلافات الجنسية في التحصيل الدراسي المنشور في مجلة "النشرة النفسية" أن الإناث تفوقن في الأداء على الذكور في علامات المدرسة في جميع مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي/ المتوسط ​​والثانوي وعلى المستوى الجامعي. وفي معظم البلدان المتقدمة يذهب عدد أكبر من النساء إلى الجامعة، وبالتالي هن أكثر تدرباً للقرن الحادي والعشرين حيث اصبح الدماغ أكثر أهمية من العضلات. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من التحيزات الموروثة ضد المرأة هناك، فإن توظيفهن في العالم المتقدم، حسب تقارير الأمم المتحدة، ساهم في نمو الاقتصاد العالمي أكثر من مساهمة الصين والهند معا، وإذا ما أردنا أن نضيف قيمة عمالة المرأة المنزلية وتربية الأطفال، يمثل ناتج المرأة أكثر من نصف الناتج السنوي العالم.

تصور لو أن المرأة أخذت كامل حقوقها، ألن تكون الجنس الأقوى؟ الن يكون الكون أفضل وأجمل؟ أعتقد بذلك....

1 comment: