Wednesday, March 18, 2020

18 3 2020 اقتصاد الكورونا في الأردن



يواجه الأردن حاليا ظاهرة مرض فيروس الكورونا بكل رقي واهتمام من خلال اجراءات احترازية وتحوطية وتوفير غرف في فنادق خمس نجوم وأدوية للحجر الصحي قد تفوق امكانات هذا البلد المستدين الذي يعاني من تدني معدلات النمو الاقتصادي منذ 10 سنوات، وتراجع في المساعدات من قبل الدول الصديقة تقليديا في السنوات الأربع الماضية.
مرض الكورونا ليس أردني المنشأ او الخاصية كما يعلم الجميع الآن، ولا يميز جندريا أو حسب الدخل أو الاصل والمنبت. بل هو مرض معولم، فالعولمة التي نادى بها آدم سميث أبو علم الاقتصاد لا تخلق الأمراض ولكنها تساعد على انتشارها وعولمتها بسرعة وسهولة، وتجعل فيروس مثل الكورونا (وقبله مرض الأيدز) فيروسا عالميا ينتشر في كل بقاع الأرض وبسرعة ليصبح ظاهرة عالمية لا تخص دولة دون أخرى.
قامت الحكومة في الأردن بإغلاق المعابر إلا لمواطنيها الذين أحضرتهم مجانا، والحجر على قرابة خمسة آلاف حالة مشتبه بها في فنادق خمسة نجوم (في فنادق البحر الميت أولا ثم انتقلت لحجوزات في عمان) بتكاليف قد تفوق كلفة الفرد للاقامة والوجبات 100 دينار في الفندق (منامة لليلة الواحدة وثلاث وجبات يوميا)، وفحوصات (كلفة الفحص في القطاع الخاص للفرد 70 دينار) وأدوية ومستحضرات تعقيم مكلفة، وملابس خاصة لمقدمي العناية قد تفوق قيمة الواحدة منها 100 دينار، ونقل المحجورين مجانا، وغيرها.
كما اتخذت إجراءات تحاذي أفضل الممارسات العالمية من منع التجمعات وفرض قانون الدفاع، وتعطيل المدارس والجامعات ليصبح التعليم عن بعد، واغلاق المؤسسات غير الضرورية تماما لاستمرار الحياة، وتحفيز الحجر المنزلي لمنع الانتشار، وخرج المسؤلون بكل تواضع وثقة ورقي ليحثو الناس على ممارسات تقلل من انتشار المرض، وصرفت الرواتب قبل موعدها لتمكين المواطنين من الشراء لما يحتاجونه في فترة الحجر، والافراج عن المساجين غير الخطرين، وتأجيل دفع فواتير الكهرباء، وايجاد موقع بوزارة الصحة للاستفسار عن الحالات المؤكدة وتطوراتها لدرء الإشاعات، وغير ذلك من إجراءات قامت بها وزارة السياحة ومؤسسة الضمان الاجتماعي مشكورين لتيسير تعامل المواطنين مع الأزمة.
أيضا ومع أن السياسة النقدية لن تساعد حاليا (في وقت الأزمة) على رفع مستويات الطلب، ولكنها هامة في التقليل من تراجع الطلب كثيرا، وطمأنة المنتجين (جانب العرض) الذين يتعطلون نتيجة الحجر على قروضهم وقدرتهم على الحصول على تمويل، فلقد أطلق البنك المركزي (المسؤول عن السياسة النقدية) العديد من الاجراءات ومنها تقليل الاحتياطي الإلزامي لتمكين سيولة أكبر لدى البنوك، كما تركت أمر التنفيذ في بعضها للبنوك لتقرر بشكل أحادي مدى التطبيق.  
طبعا، وكما في كل حدث (سواء كان ايجابي أم سلبي كهذا المرض)، هنالك خاسرون ورابحون. من الخاسرين كل من يعمل في قطاع السياحة (شركات الطيران، المكاتب السياحية، الفنادق، المواصلات، محلات التحف، المطاعم، وكل ما يشمله عنقود منظوم السياحة في الأردن)، وهي ظاهرة عالمية. أيضا، تتراجع مبيعات ودخول قطاعات استيراد وتوزيع وبيع السلع والخدمات غير الضرورية (سلع الرفاه) كالملابس، والكهربائيات، والسلع مرتفعة القيمة بالنسبة للدخل كالسيارات، والآليات. وستتضرر البنوك أيضا، في حال قصور جماعي عن السداد وتراجع القدرة على الاقتراض مع تراجع المداخيل مقابل حاجتها للاقتراض وعلى البنوك التفكير في مثل هذا الأمر، فمن مصلحتها ارتفاع دخل المواطنين وازدياد تفاؤلهم بمستقبل أفضل لشراء العقار أو الاستثمار والتوسع. وسيقوم العقلانيون والقادرون من بائعي السلع غير الضرورية بتقديم عروض التنزيلات والخصوم لتحفيز الشراء، وإلا فستكسد بضائعهم وسيواجهون شح في التدفق النقدي لديهم.
ومن الخاسرين في سوق العمل، بالاضافة لمن يعمل في القطاعات المذكورة، عمالة القطاع غير المنظم (بلا عقود أو ضمانات أو حماية قانونية) خاصة وأن هذه الشريحة ليست صغيرة بأي معيار. سيتراجع دخل هذه الفئة طوال فترة الحجر وربما لمدة ليست بقصيرة بعد انتهاء الحجر.
أما الرابحون، فهم منتجو وموزعو وبائعو السلع الضرورية كالمواد الغذائية بكافة أنواعها وخدمات الهاتف والانترنت، وتلك التي يصبح استهلاكها أكثر ضرورة مع الفيروس، كالأدوية والفيتامينات، والمواد المُعقّمة، والمحارم الصحية، والكمامات وغيرها، حيث يقوم المواطنون بالقيام بعمليات شراء بهدف التحوط وتخزين القابل للحفظ منها.
الرابحون لن يبيعوا كميات أكبر فقط، بل سيقوم بعضهم برفع الأسعار كما هو ملاحظ الآن، وهو ما سيزيد من دخلهم ويضر بالاقتصاد خاصة إن طالت فترة الحجر، لذا لا بد من تفعيل الرقابة بشكل كفؤ لضمان عدم استغلال البعض.
هنالك دور كبير للقطاع الخاص يتمثل جزء منه في تقديم التبرعات من قبل القطاع الخاص، مؤسسات وأفراد ، لمساندة الحكومة في جهودها، ومستوى التبرعات من قبل مؤسسات القطاع الخاص مشكور، ولكن من الممكن أن تكون أكثر من مستواها الحالي بكثير بكثير. لم لا تقوم أحد المحطات المحلية ببث برنامج تليثون لجمع التبرعات (برنامج يتصل به الناس على الهواتف لتقديم التبرعات بكافة الأحجام، وتجمع نقوده لتستخدم في مكافحة المرض) ، كل يتبرع حسب قدراته (من دينار الى ملايين الدنانير). خاصة أن ضريبة الدخل ستخصم التبرعات من الدخل. الحكومة لن تستطيع تحمل التكاليف وحدها، خاصة وأن دخلها لا بد وأن يتراجع معدل النمو نتيجة التعطل، وسيزداد دين الحكومة بالارقام المطلقة وبالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي، فالحكومة تتحمل عشرات الملايين من الدنانير من التكاليف الإضافية، وربما ستفقد فوق مائة مليون من دخلها، ولكن ليس بضع مئات، نتيجة تراجع الدخل الناجم عن النشاط الاقتصادي، لذا سيكون من الممكن جدا التعامل مع ها التراجع وسد ثغرته، وازدياد نسبة الدين أمر مشروع في ظل جهود الحكومة الكفؤ لحماية أرواح الأردنيين.

بالمحصلة يجب التفاؤل بالمستقبل الاقتصادي الأفضل الذي سينجم عادة عن النجاح في التعامل مع تحد كبير، وعودة الثقة بالاقتصاد وقاياداته ومؤسساته.

كلنا شركاء، البارحة واليوم، وغدا...


 د. يوسف منصور





Thursday, March 5, 2020

رسوم وعوائد اعادة التنظيم


5 3 2020

تحاول الحكومة النهوض بالاقتصاد من خلال الحزم الخمسة التي اطلقتها مؤخراً، وهو جهد مشكور. ولكن نجد في الوقت ذاته معيقات ومثبّطات لعملية التبادل الاقتصادي (الانتاجي والاستهلاكي) تقوم بها العديد من المؤسسات ومن بينها ممارسات بعض البلديات مما يؤدي الى تعطيل الجهد المبذول، وقد يكون أهمها برأيي ما يسمى "رسوم عوائد التنظيم" .
واعتقد ان المشكلة الكبيرة القائمة الآن (بالاضافة لمشكلة الطاقة التي ترفع من تكاليف الانتاج والاستهلاك أيضا وتحديات أخرى لا تتسع لها المساحة هنا)، والتي تقف امام تحريك عجلة النشاط الاقتصادي ويمكن التعامل معها بسهولة، هي ما تفرضه البلديات ومن ضمنها أمانة عمان من رسوم تغيير نوعية النشاط لارض او مبنى قائم.
حسب أفضل المبادىء والممارسات العالمية، تُفرض رسوم عوائد تغيير صفة الاستعمال بالتحديد عادة مقابل التكاليف الإضافية التي قد تتحملها البلدية نتيجة تغيير استخدام العقار، كأن يتحول استخدام مبنى سكني الى مكاتب او مطاعم قد تتطلب من البلدية توسعة الشوارع او زيادة الطاقة الاستيعابية لشبكات الصرف الصحي او شبكات المياه والكهرباء وغيره من التكاليف التي لا يجب ان يتحملها عامة الناس بل يتحملها المستفيد من تحول صبغة الاستخدام للعقار. فتحسب قيمة هذه التكاليف ويدفعها وبطيب خاطر مالك العقار مقابل تحسن قيمة عقاره، وهو أمر منطقي وعادل.
واذا لم تكن هناك تكاليف إضافية على البلدية، لا يوجد أي مبرر لفرض مثل هذه الرسوم، ويحولها الى ضريبة غير مبررة على النشاط الاقتصادي وترفع من كلفة الدخول الى السوق فتجعل منطقة تنظيم البلدية اقل جاذبية للنشاطات الاقتصادية. وقد يعتقد البعض أن فرضها واجب لأنها تحسن من قيمة العقار، وهو رأي يخالف الصواب لأن المنظّم (البلدية) ليس شريك في ملكية العقار، ورسومها من حيث المبدأ هي مقابل تكاليف خدمات تقدمها لتمكّن النشاط الاقتصادي، وإلا فستجتمع التجارة والإمارة معا، وهو مبدأ بعيد عن أسس الحوكمة الرشيدة.
وتقوم البلديات في الدول المتقدمة، إدراكا منها بأهمية تحفيز النشاط الاقتصادي في مناطقها، بإعفاء المستثمر من هذه الرسوم رغم تحملها لنفقات اضافية نتيجة تحول الاستخدام لتقلل من كلفة ممارسة النشاط الاقتصادي في محيطها وتشجيع الاستثمار في مناطقها فترتفع وتيرة التنمية وويزداد دخلها من تحسن مستوى دخل مواطنيها. لذا، تُخضع التنظيم وقراره ورسومه للعديد من العوامل ومنها المنفعة الاقتصادية الكلية.
اما التفكير الضيق والذي قادنا الى ما نحن عليه في الأردن، فهو ان شح موارد البلدية يؤدي بها الى جباية تدفقات سريعة على المدى القصير (كعوائد التنظيم) لتصبح هذه العوائد ضرائب على الانتاج بشتى انواعه، فيُفارقها النشاط الاقتصادي ويتضرر مواطنيها على المدى الطويل مقابل دخل قصير الأمد وقرارات غير بعيدة النظر. وقد تكون العجوزات المالية المتراكمة في البلديات المختلفة قد تكون هي السبب في عدم جعل رسوم تغيير صفة الاستعمال مرتفعة وغير متماشية مع متطلبات تنشيط السوق والاقتصاد، غير أن الخطأ لا يجب أن يكون الحل له خطأ آخر.
والسؤال الهام هو هل تم مراجعة رسوم اعادة التنظيم (تغيير صفة الاستخدام وغيرها) في ظل التراجع الاقتصادي الذي يعاني منه البلد من أكثر من 10 سنوات؟ وهل وضعت الحلول لذلك؟ 

   د. يوسف منصور