Thursday, March 5, 2020

رسوم وعوائد اعادة التنظيم


5 3 2020

تحاول الحكومة النهوض بالاقتصاد من خلال الحزم الخمسة التي اطلقتها مؤخراً، وهو جهد مشكور. ولكن نجد في الوقت ذاته معيقات ومثبّطات لعملية التبادل الاقتصادي (الانتاجي والاستهلاكي) تقوم بها العديد من المؤسسات ومن بينها ممارسات بعض البلديات مما يؤدي الى تعطيل الجهد المبذول، وقد يكون أهمها برأيي ما يسمى "رسوم عوائد التنظيم" .
واعتقد ان المشكلة الكبيرة القائمة الآن (بالاضافة لمشكلة الطاقة التي ترفع من تكاليف الانتاج والاستهلاك أيضا وتحديات أخرى لا تتسع لها المساحة هنا)، والتي تقف امام تحريك عجلة النشاط الاقتصادي ويمكن التعامل معها بسهولة، هي ما تفرضه البلديات ومن ضمنها أمانة عمان من رسوم تغيير نوعية النشاط لارض او مبنى قائم.
حسب أفضل المبادىء والممارسات العالمية، تُفرض رسوم عوائد تغيير صفة الاستعمال بالتحديد عادة مقابل التكاليف الإضافية التي قد تتحملها البلدية نتيجة تغيير استخدام العقار، كأن يتحول استخدام مبنى سكني الى مكاتب او مطاعم قد تتطلب من البلدية توسعة الشوارع او زيادة الطاقة الاستيعابية لشبكات الصرف الصحي او شبكات المياه والكهرباء وغيره من التكاليف التي لا يجب ان يتحملها عامة الناس بل يتحملها المستفيد من تحول صبغة الاستخدام للعقار. فتحسب قيمة هذه التكاليف ويدفعها وبطيب خاطر مالك العقار مقابل تحسن قيمة عقاره، وهو أمر منطقي وعادل.
واذا لم تكن هناك تكاليف إضافية على البلدية، لا يوجد أي مبرر لفرض مثل هذه الرسوم، ويحولها الى ضريبة غير مبررة على النشاط الاقتصادي وترفع من كلفة الدخول الى السوق فتجعل منطقة تنظيم البلدية اقل جاذبية للنشاطات الاقتصادية. وقد يعتقد البعض أن فرضها واجب لأنها تحسن من قيمة العقار، وهو رأي يخالف الصواب لأن المنظّم (البلدية) ليس شريك في ملكية العقار، ورسومها من حيث المبدأ هي مقابل تكاليف خدمات تقدمها لتمكّن النشاط الاقتصادي، وإلا فستجتمع التجارة والإمارة معا، وهو مبدأ بعيد عن أسس الحوكمة الرشيدة.
وتقوم البلديات في الدول المتقدمة، إدراكا منها بأهمية تحفيز النشاط الاقتصادي في مناطقها، بإعفاء المستثمر من هذه الرسوم رغم تحملها لنفقات اضافية نتيجة تحول الاستخدام لتقلل من كلفة ممارسة النشاط الاقتصادي في محيطها وتشجيع الاستثمار في مناطقها فترتفع وتيرة التنمية وويزداد دخلها من تحسن مستوى دخل مواطنيها. لذا، تُخضع التنظيم وقراره ورسومه للعديد من العوامل ومنها المنفعة الاقتصادية الكلية.
اما التفكير الضيق والذي قادنا الى ما نحن عليه في الأردن، فهو ان شح موارد البلدية يؤدي بها الى جباية تدفقات سريعة على المدى القصير (كعوائد التنظيم) لتصبح هذه العوائد ضرائب على الانتاج بشتى انواعه، فيُفارقها النشاط الاقتصادي ويتضرر مواطنيها على المدى الطويل مقابل دخل قصير الأمد وقرارات غير بعيدة النظر. وقد تكون العجوزات المالية المتراكمة في البلديات المختلفة قد تكون هي السبب في عدم جعل رسوم تغيير صفة الاستعمال مرتفعة وغير متماشية مع متطلبات تنشيط السوق والاقتصاد، غير أن الخطأ لا يجب أن يكون الحل له خطأ آخر.
والسؤال الهام هو هل تم مراجعة رسوم اعادة التنظيم (تغيير صفة الاستخدام وغيرها) في ظل التراجع الاقتصادي الذي يعاني منه البلد من أكثر من 10 سنوات؟ وهل وضعت الحلول لذلك؟ 

   د. يوسف منصور

No comments:

Post a Comment