Tuesday, February 23, 2021

من أجل رؤية لاقتصاد الأردن 22 فبراير 2021

 

إن ثنائية السياسة الاقتصادية منذ عقد من الزمان والمتمثلة في الاقتراض للوفاء بالالتزامات المالية الناجمة عن النفقات الجارية والتضحية بالإنفاق الرأسمالي سياسة فاشلة. لماذا؟ لأنها لم ولن تؤدي إلى نمو اقتصادي. ومن ثم، سيأتي المستقبل بالمزيد من التراجع في الأداء. من الواضح أن هناك حاجة إلى تحول في النموذج الاقتصادي المتبع. يوفر النموذج التالي (الأفكار المعروضة هنا مستوحاة من كتابات العديد من الاقتصاديين البارزين، ولا سيما ماريانا مازوكاتو) طريقة عمل بديلة.

أولاً وقبل كل شيء، يجب على المشرفين على الاقتصاد أن يفهموا تمامًا بل وأن يؤمنوا بأن الاقتصاد نظام معقد يحرك إطاره وتكوينه واتجاهه التغيير المستمر والتطورات والتغذية المرتدة الديناميكية. وأن كل تغيير مهما كان صغير قد يؤدي إلى العديد من التداعيات وردود الفعل والتغييرات التي هي بطبيعتها معقدة وديناميكية.

بمجرد أن يبدأ الإيمان بهذه الفكرة ويترسخ، لا يمكن أن تكون القرارات التي تؤثر على الاقتصاد قرارات سهلة وسريعة وأحادية الاتجاه، أو أن تخرج من كل جهة وكأنها مستقلة عن نمطية أن الاقتصاد مترابط فيكون جل اهتمام المسؤول عمل ومصالح وزارته أو قطاعه متناسيا التبعات الخارجية والممتدة للقرار، أو أن تكون القرارات غير مدروسة وهناك العديد من الأمثلة على ذلك. بدلاً من ذلك، يجب أن يقود  القائمون على الاقتصاد عملية الابتكار والنمو ، وأن تمكن قراراتهم تحولات مفيدة وإيجابية على مستوى المجتمع ككل.

ثانيًا، يجب على صانعي السياسات تجاهل المصطلحات والأدوات التحليلية البالية كالميزة المطلقة (لدي موارد لإنتاج سلعة أكثر من الآخر ، لذلك سأنتجها واتخصص فيها فقط، والميزة النسبية (كلفة الفرصة لدي أقل نسبيًا من الآخر، لذلك سأنتج واتخصص في هذا المنتج)، وتحليل التكلفة والعائد وهي أداة ساذجة جدًا (تكلف شبكة السكك الحديدية للركاب والبضائع أكثر مما ستدره من الإيرادات المباشرة ، لذلك فلننسى هذا المشروع). أشارت ماريانا مازوكاتو مؤخرًا: لو اعتمدت كوريا الجنوبية على ميزتها المطلقة لتخصصت في إنتاج الأرز بدلاً من أن تصبح الدولة الأكثر ابتكارًا في العالم خلال السنوات الست الماضية.

بدلاً من ذلك، يجب أن نفكر من خلال إطار الميزة التنافسية (إرادة الأمة ودوافعها، وبغض النظر عن قيود الموارد الحالية، تُمكّنها من أن تصبح قادرة على المنافسة في المستقبل وأن تنتج منتجا ما رغم شح الموارد). وحتى الميزة التنافسية لن تنجح إذا لم تقترن بل وترتكز على رؤية تدعم الابتكار وزيادة تعقيد (المحتوى المعرفي) وحذاقة المنتج.

ثالثًا، يجب على صانعي السياسة إيلاء اهتمام أقل للدعوات الليبرالية بأن تكون الحكومة مجرد مراقب خارج السوق. يجب عليهم التركيز بدلاً من ذلك على جعل القطاع العام أكثر فعّالية في قيادة التغيير. قد تبدو هذه التوصية لأول وهلة شيئا مستهجن، ولكن المتصفح لتاريخ التنمية في العالم سيجد أن التنمية اعتمدت الحكومة شريكا أساسيا وقائدا للتغيير. فالحكومة هي المستثمر الأول (وليس مستثمر الملاذ الأخير) الذي يخلق مساحة للقطاع الخاص للتقدم من خلال الابتكارات والاختراعات؛ وهو المروّج للتغييرات الإيجابية التي تؤدي إلى نتائج مفيدة ومحتوى معرفي أكبر في المنتجات. بعبارة أخرى، يجب إعادة صياغة دور الحكومة ليكون أكثر شبهاً بدور حكومات الاقتصادات التي تحركها الرؤى الثابتة والمدعّمة بموارد القطاع العام مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وفنلندا وسويسرا، وهي الاقتصادات الأربعة الأكثر ابتكارا في العالم. فتحديد الاتجاه يعد أمرًا حيويًا للاقتصادات التي ترغب في المضي قدمًا.

 اعرض هنا بعض الأمثلة عن الحكومات التي أحدثت تغييرًا إيجابيًا من خلال دعم البحوث والابتكار. شركة أبل، التي بلغت قيمتها أكثر من 2 تريليون دولار في عام 2020، لم تكن لتصبح ما كانت عليه لولا ثلاثة اختراعات (الإنترنت والشاشة التي تعمل باللمس ونظام تحديد المواقع العالمي) مولتها الحكومة الأمريكية. وكانت شركة سامسونغ ستصبح شركة ملابس لولا تمويل من الحكومة الكورية الجنوبية، والقروض ميسرة ودعم لكافة حلقات سلاسل الامداد. وبدأت شركة هواوي الصينية، عملاق الاتصالات الأكبر في العالم ورائد الجيل الخامس في الاتصالات الخلوية، برأسمال قدره 5000 دولار، ولم تكن لتصبح على ما هي عليه اليوم (تفوقت مبيعات هواتفها الذكية على سامسونج وأبل في عام 2020) لو لم تمنحها الحكومة الصينية عطاء حكومي كريم بقيمة 10 ملايين دولار للبدء في مجال الالكترونيات. وكانت حكومة الولايات المتحدة، التي تحتل اليوم المرتبة 11 من بين الاقتصادات الأكثر ابتكارًا ، من خلال تمويلها للأبحاث، وراء العديد من المنتجات التجارية التي نستخدمها اليوم؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: مصابيح LED ، الهواتف الذكية، التصوير بالرنين المغناطيسي، رقائق الكمبيوتر الدقيقة، الإنترنت، برامج محاكاة الكمبيوتر، لقاح موديرنا، انتاج طاقة الرياح الحديثة، وأيضا، حليب الأطفال المخصّب (الفورميولا). أنفقت هذه الحكومات على البحث واستفاد من النتائج القطاع الخاص من خلال تطوير نتائج وثمار البحوث إلى منتجات تجارية كيف استفادت الحكومات؟ هذا الدعم لا يذهب هباء بل يعود للدولة مع ارتفاع دخل واستهلاك مواطنيها (فلنتذكر دائما، إذا كان الشعب ثريا، فكذلك تكون الحكومة، والعكس صحيح).

رابعًا، إعطاء الأولوية للنفقات الرأسمالية (بدلاً من التضحية بها) في الموازنة لتحديد اتجاه التغيير اللازم، واستخدام جميع الأدوات المتاحة للحكومة لدفع الاقتصاد من خلال زيادة الإنتاجية والابتكار والبحث والتطوير والقيمة المضافة وبالتالي المرونة الاقتصادية ليس للشعب فقط بل وللحكومة أيضا. نعم، موازنة الحكومة الحالية ومنذ عقود مقيدة بالتزامات النفقات الجارية مثل الرواتب والمعاشات وخدمة الديون. إذا لم تحدث صدمة خارجية إيجابية، فستستمر هذه النفقات في النمو بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي في ظل الفكر والتوجه القائم. فما هو الحل؟ الاقتراض وتحمّل المزيد من الديون لزيادة المحتوى المعرفي في المنتج كمهمة حكومية أساسية واستخدم جميع الأدوات المالية والنقدية لدفع التغيير وإحداثه. ولنستخدم خططًا تحث على التغيير تختلف من مساق لآخر فالاقتصاد معقد ولا يوجد حل واحد مناسب للجميع. ولأصحاب القرار نقول، لا تختاروا رابحين وخاسرين، بدلاً من ذلك، اختاروا اتجاهات التغيير واستخدموا القوة الكاملة للأدوات الحكومية لإنشاء مشاريع تحث على الحلول بمشاركة الجهات المختلفة الراغبة.

فلنبدأ التغيير وبرؤية متطورة!

Jordan as a driven economy 22 Feb 2021

The decade-old twin economic policy of borrowing to meet current fiscal obligations, and the sacrifice of capital spending in the process does not work. Why? They do not, have not and will not lead to economic growth. Hence, the future may hold more of the same, literally. Obviously, an economic paradigm shift is needed. The following paradigm provides an alternative modus operandus. The ideas presented herein are gleaned from the writings of many prominent economists, particularly Mariana Mazzucato. 

First and foremost, the overseers of the economy must fully understand and believe that the economy is a complex system whose framework, configuration and direction are driven by constant change, evolvements and dynamical feedbacks. Every small change can lead to many ramifications, reactions and changes that are by their very nature complex and dynamic. Once the idea sets in, economy impacting decisions cannot be simple (unidirectional and fly-by-night types), dichotomous (I mind my shop/ministry and you mind yours), or unstudied (there are many examples of those). Instead, they must drive innovation and growth, and lead to socially advantageous transformations. 

Second, policy makers should ignore the now mundane terms and analytical tools of the past such as absolute advantage (I have the resources to produce more efficiently than the other so I will produce X), comparative advantage (I have less of an opportunity cost relative to the other so I will produce product X), and the ever so naïve tool of cost-benefit analysis (a passenger and cargo railway network costs more than it would generate in direct revenues, thus forget it). Mariana Mazzucato recently pointed out: Had South Korea relied on its absolute advantage it would have specialized in rice production instead of becoming the most innovative country worldwide for the past six years. Instead, think competitive advantage (the will and drive of nation, regardless of current resource limitations, enable it to become competitive in the future and produce X). Even competitive advantage will not really work if not coupled with and focused upon a vision of innovation and product complexity.  

Third, policy makers should give less attention to the liberal diatribe whereby the government is simply a lame observer of the market. They must focus instead on making the public sector more effective in driving the change. Sounds like a strange precept? Not really, development history shows that the government is the partner that leads the change; it is the first investor (not the investor of last resort) that creates the space for the private sector to forge through with innovations and inventions; and it is the promoter of positive changes that lead to beneficial consequences and greater product complexities. In other words, the government role must be recast to be more like that of the governments of mission-driven economies: South Korea, Germany, Finland and Switzerland. Direction-setting choices are vital for today’s economies that want to move ahead, and small visionary changes have had throughout history lasting consequences. 

Let’s share some examples of governments causing positive change. Apple, worth over $2 trillion in 2020, would not have become what it is had it not been for three inventions (Internet, touch screen and GPS) that were funded by the US government. Samsung would have been a textile company if it had not been for the South Korean government funding, low interest loans, and subsidies. Huawei, the communication giant, started with a capitalization of $5000, and would not have become what it is today (in 2020 its smart phones outsold Apple and Samsung) if the Chinese government contract had not provided it with a $10 million government contract to start it off. The US government, currently ranked 11 among the most innovative economies, has been, through its funding of research, behind many of the commercial products we use today; to mention a few: LED lights, smart phones, MRI, microchips, Internet, computer simulation software, Siri, Moderna vaccine, modern wind energy, and, yes, enriched infant formula. These governments spent on research (the R in R&D) and availed the findings to the private sector to develop (the D in R&D) into commercial products. 

Fourth, prioritize (instead of sacrifice) capital expenditures in the budget to set the direction of change and use all the tools available to government to drive the economy into greater productivity, innovation, R&D, value added, and resilience.  Yes, the government budget is shackled by current commitments and obligations such as salaries, pensions, and debt servicing. Bar a positive external shock, these outlays will continue to grow faster than the GDP under the current thinking and direction. So, what is the solution? Borrow and assume more debt to grow product complexity in a mission-driven approach. Use all tools, fiscal and monetary to drive and cause the change.  Use different plans, the economy is complex, and there is no one solution that fits all. Do not pick winners and losers; instead, choose directions for change and use the full power of government instruments to create projects that prompt solutions from diverse willing actors.

Let’s start the change!

https://www.jordantimes.com/opinion/yusuf-mansur/jordan-driven-economy

Sunday, February 14, 2021

البيتكوين 14 2 2021

 


دُعيت قبل ايام للحديث في برنامج على الراديو عن العملة الرقمية (البيتكوين Bitcoin) ورغبة البعض في الأردن بالاستثمار في هذه العملة، وبناءً عليه قررت كتابة هذا المقال المختصر حول ما ذكرته في اللقاء.

كان أول من انتج هذه العملة الرقمية المدعو (ساتوشي ناكوموتو) وهو اسم مستعار لشخص كتب شيفرة العملة الرقمية في عام 2007 وسجل موقعاً الكترونياً في عام 2008 وصف فيه عملة رقمية اسماها (بيتكوين كنظام نقدي الكتروني من نظير الى نظير أو من ندٍ الى ندٍ دون وسيط) تعتمد ما أسماه سلسلة الكتل Blockchain. ثم اطلق بالتعاون مع آخرين في منتصف 2010 هذه العملة. وحتى تاريخه لا يعلم أحد بشكل مؤكد هوية ناكموتو الحقيقية، ورغم وجود عدة أسماء محتملة فلا أحد يعرف من هو بشكل مؤكد.

حين خرجت هذه العملة الى حيز الوجود في العام 2010 كان سعرها 0.008  سنت امريكي، وخلال عام بلغت قيمة البيتكوين الواحدة (8 سنت) ، ثم ارتفعت الى (67 سنت) في الثلث الاول من عام 2011، لتصل في نهاية عام 2015 الى (327 دولار) للعملة الواحدة، وتقبّل التعامل بها حوالي 100 الف شخص ومؤسسة حول العالم من المنتجين والتجار. وفي عام 2016 اعترف بها اليابان وجنوب افريقيا، وكُتبت مجموعة من البحوث حول شرعيتها، كما قام نظام سكة الحديد السويسري بتحديث أجهزة شراء التذاكر لديه ليستطيع الشخص شراء البيتكوين من خلاله. ثم بدأت البيتكوين بالانتشار الواسع في عام 2017 مع تقبل العديد لها، واستمر سعرها بالارتفاع وبمعدلات تذبذب كبيرة، وشهدت تقلبات كثيرة في السعر حيث وصل سعرها في عام 2014 الى 530 دولار، وقاربت 20 الف دولار في 12 ديسمبر2017، ثم هبطت بعد خمسة ايام الى 13,800 الف دولار وعادت لتهبط في فبراير 2018 الى 6200 دولار، ثم انخفض سعرها بنسبة 50% أخرى في ديسمبر 2018 ليصل الى 3300 دولار وعاد للارتفاع ليصل الى 11,000 الف دولار في يوليو 2020، واستمر بالصعود الى 28,000 الف دولار في ديسمبر 2020. وفي الأسبوع الأول من يناير2021 كان سعر البيتكوين 34,800 الف دولار ليرتفع خلال خمسة ايام الى 41,973 الف دولار، ثم هبط الى 33,400 الف خلال ثلاثة ايام ثم عاد للارتفاع ليصل في وقت كتابة هذا المقال الى 48,879 الف دولار او 34,658 دينار اردني بعد أن أعلن رئيس شركة تيسلا، ايلون مسك، في 8 فبراير 2021 أن الشركة استثمرت 1.5 مليار دولار في البيتكوين.

 من الواضح ان هذه العملة هي عملة مضاربة بحتة لذا أسماها البعض فقاعة عمرها 12 عام. واصبح من المتعارف عليه، بل والواضح جدا، أن البيتكوين عملة بلا قيمة جوهرية تقوم كليا على المضاربة قيمتها ما يقرره السوق. أيضا، من الجدير بالذكر أن من الممكن انتاج (تعدين) هذه العملة غير ان كلفة تعدينها (إيجاد حلول لألغاز حسابية باستخدام معدات رقمية كثيفة الاستهلاك للطاقة) تزداد صعوبة مع انتشارها. وكلما ازداد عدد هذه الوحدات فان كلفة تعدينها ترتفع حيث يكلف من الطاقة حالياً انتاج بتكوين واحدة ما يعادل الطاقة اللازمة لانارة مدينة صغيرة ليوم واحد. وسيصل عددها كحد اقصى الى 21 مليون وحدة وهو ما كان قد أعلنه ناكوموتو حين أطلق هذه العملة. أيضا، البيتكوين ليست العملة الرقمية الوحيدة فهنالك ما يزيد عن 4000 عملة بأسماء وأسعار مختلفة.  

هنالك عدة مشاكل في المضاربة على البيتكوين، أهمها انها عملة خاضعة للمضاربة الصرفة وتقلباتها كثيرة وعميقة. كما انه لا يوجد لسعرها نقطة توازن واحدة، بل هنالك عدد لا نهائي من التوازنات غير المبنية على أسس، أي لا تعتمد المؤشرات الاقتصادية التقليدية كأرقام البطالة، سعر الفائدة، التضخم، الثقة بالاقتصاد، معدلات النمو، تدفق الاستثمار، وغيرها، فيهبط ويرتفع السعر فيها بشكل لا نهائي. وبينما يوجد عدد لا نهائي أيضاً من نقاط التوازن للعملات المتداولة، غير أن أسعار العملات التقليدية تعتمد الى حد ما على المبادئ الأساسية في التداول.

البيتكوين عملة غير معترف بها في الأردن ولا يمكن التداول بها رسميا حسب تعليمات البنك المركزي الأردني، غير أن حيازتها لا يعتبر جرماً يعاقب عليه القانون، وهنالك من اشتراها ويتعامل بها. ولكن مخاطر البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية أو الالكترونية كثيرة كما ذكرت أعلاه فهي قابلة للتقلب بنسب هائلة، مما يعني أيضاً أن سعرها قد يتفجر الى ما لا نهاية أو ينهار الى الصفر في لحظات. لذلك على من يرغب أن يتعامل بها استخدام مال يحتمل ان يخسره ولن يندم كثيراً على فقدانه.

 

المناعة الاقتصادية 14 2 2021

 


عطّلت جائحة كورونا الكثير من سلاسل إمداد السلع (منظومة من المؤسسات والبشر والتقنيات والأنشطة والمعلومات والموارد اللازمة لنقل المنتجات أو الخدمات من المُجهّزين إلى العملاء) في العالم وأثرت في صادرات السلع عالميا، مما قد يؤدي الى انتقال ما يقارب من 3 الى 5 تريليون دولار من الصادرات السلعية من دول لأخرى وبنسبٍ مختلفة حسب أنواع الصناعات خلال الخمس سنوات القادمة. كما تأثرت سلاسل الإمداد في الأردن محليا وبشكل كبير مما كبح العرض والطلب في الأردن كدولة مستوردة بالأساس تفوق وارداته ثلاث أضعاف صادراته لأن غالبية ما تنتجه الصناعات التحويلية في الاردن كالصناعات الغذائية وغيرها يستهلك محلياً ولا يصدر منه إلا النزر اليسير.

سلاسل الإمداد في الأردن مرتبطة بمليارات الدنانير في الاستثمارات والاف العلاقات والشركات المتخصصة وجغرافياتٍ متنوعةٍ وشبكاتٍ تتعدى المحلية، والأردن منكشفً للعديد من المخاطر الخارجية كإغلاق الحدود (مثل ما حصل مع سورية والعراق) وانقطاع المساعدات او شُحّها وتقلبها من سنة لأخرى، وانقطاع الغاز المصري في عام 2011 مما أدى لرفع سعر الوقود والطاقة لسداد دين الحكومة (والذي لم يسدد حتى الآن)، والحروب والأزمات في المنطقة وما ينجم عنها من تدفقات بشرية والحاجة الى المساعدات. وهي مخاطر يجب ان تكون ضمن إطار وتفكير ووعي صانعي السياسات الاقتصادية ويجب ان يتوقعها المخططون مسبقا ويُمكّنوا جاهزية الاقتصاد للتعامل معها، ووضع الحلول والإجراءات قبل أن يواجه الأردن تحديات جديدة.

يضاف الى ذلك، ان الجائحة أجبرت المصنعين والمستوردين والمصدرين على النظر بعمق الى صحة وامن العمالة فيها، وانكشفوا للمصاعب اللوجستية ولنقص المواد والمعاناة من القفزات غير المتوقعة هبوطاً وارتفاعاً في الطلب ومشاكل السيولة سواء من حيث الحصول على التمويل أو التمويل بأسعار فائدة مرتفعة. وهي مشاكل يتم التباحث فيها عالمياً. وجد معهد ماكينزي للدراسات العالمية ان شهر من التعطل سيحدث كل 3.7 سنة، وسيؤدي الى تكاليف مالية كبيرة، وقد تخسر الشركات في كل 10 سنوات 40% من ربحها السنوي، كما أن أي صدمة عميقة تمتد لمائة يوم قد تزيل كافة أرباح المؤسسات الإنتاجية. وكما في باقي دول العالم، فمناعة المنتجين في الأردن مهمة جدا لاستمرار الاقتصاد.

تعيد بصمة الجائحة تشكيل الاقتصاد الوطني بشكل كبير مما يجب أن يدعو الجميع للتفكير بجديةٍ في منظومة الاردن الاقتصادية والمنطق الناظم لها وفي دور الحكومة كشريكٍ فاعلٍ وايجابي الأثر والتأثير. وبينما كان الناصحون من المانحين للأردن والمحللون المحليون (ومنهم الكاتب) لعدة سنوات يقولون بأن المنافسة من خلال العمالة القليلة الكلفة لا تكفي لوضع الأردن على خارطة العالم الاقتصادية، وأن على الاردن ان يزيد من انتاجيته وينمي المهارات فيه وتحسين جودة ونوعية الإنتاج، فإننا الآن وبعد الازمة الاقتصادية التي اوجدتها جائحة الكورونا نطالب بأن تحتوي لائحة التوصيات على زيادة منعة ومناعة الاقتصاد مما يتطلب تقييم مدى تعرض الاقتصاد الاردني للمخاطر ومعرفة مدى هشاشة سلاسل الإمداد لمخاطر الجائحة وغيرها وبناء القدرات المحلية لتقوية كل حلقة من حلقات هذه السلاسل لكي تكون أكثر قدرة على تحمل مثل هذه المخاطر وتفادي عواقبها.

Wednesday, February 10, 2021

من أجل بناء اقتصاد أفضل 10 2 2021

 

من أجل بناء اقتصاد أفضل

تحدثت قبل أيام على شاشة تلفزيون المملكة حول الخطة الاقتصادية لحكومة الدكتور الخصاونة، وكان محور ما قلته حول أننا لا نحتاج الى خطط النمو العادية والمعتادة كما في السابق، فقد مر الاقتصاد والمجتمع الأردني والنظام الصحي بأكمله بأزمةٍ خانقةٍ في العام الماضي، وهي لا زالت مستمرة وسيبقى أثرها حسب توقعات البنك الدولي وغيره للسنوات الخمس القادمة على الأقل. وأصريت في تلك المقابلة على أن ما نحتاجه هو التفكير والعمل على بناء اقتصاد أفضل بحيث يكون أكثر مرونة وأكثر قدرة على الاستمرار في ظل الأزمات الحالية والقادمة.

تحدث كبار الاقتصاديين في العالم في مبدأ خلق قدرات المرونة والمقاومة الاقتصادية ودور القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المدني بحيث تضع الحكومة نصب عينيها بأن تعافي الأُسر (سواء من كان دخلها من السوق المنظم أو غير المنظم) والمجموعات السكانية هو الطريق إلى عودة النشاط الاقتصادي ورفع وتيرة النمو نحو التنمية ومعالجة أزمة الحكومة المالية المستمرة.

ويجب أن تدرك الحكومات، ومنها الحكومة في الاردن، أن على التعافي المطلوب أن يحقق العدالة في توزيع الدخل، ليس لأنه متطلب إنساني أو أخلاقي فحسب، بل من منطلق اقتصادي بحت أكدت عليه آلاف الدراسات العلمية وخاصة في العقود الثلاثة الماضية. فأي نمو يؤدي الى زيادة التباعد بين شرائح الدخل المختلفة سيؤدي حتما الى عدم الاستقرار وسيهدد استمرارية النمو على المدى البعيد، ويُبعد الاقتصاد عن التنمية بكافة مفاهيمها، فيقلص النمو غير المتوازن المكاسب من دخل الحكومة من الضرائب والرسوم على النشاط الاقتصادي. ومن هذا المنطلق، يجب العمل مع منظمات المجتمع المدني المحلي والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات المحلية والدولية للحصول على معلوماتٍ جيدةٍ ودقيقةٍ ووضع النماذج القياسية والعمل على التخطيط لمرحلة التعافي الصحي والاجتماعي والاقتصادي. كما أنه، وفي ظل عدم وجود الإدارة والحوكمة والتنمية المحلية بفحواها المطلق في الاردن، فلابد من الاعتماد بشكل أكبر على المجتمع المدني.

وبادئا ذي بدء، يجب إيجاد الظروف اللازمة لإنجاح الأعمال ليس من منظور الكفاءة والإنتاجية فحسب لأن إعادة بناء الاقتصاد بشكل أفضل يتطلب أن نجعل المجتمعات أكثر أمناً من خلال تقليل المخاطر وزيادة مناعتها ومرونتها. فيتم مثلاً الإقراض بفوائد مُخفضةٍ أو إعادة جدولة الديون لكبار الشركات التي تأثرت بشكل أقل من تلك الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كما يحدث حين تصدر التعليمات غير المصحوبة بتعليمات مفصلة ورقابة دقيقة، بل بالتركيز على إقراض صغار المستثمرين لتمكينهم من تقليل مخاطر الإغلاق وتسريح العمالة والخروج من السوق بشكل نهائي، فالشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم تشكل 99.6% من الشركات في الاردن. كما يجب مراعاة الاقتصاد غير المنظم ومساعدته من خلال توجيه المعونة لأصحاب الأعمال أو للعاملين فيه فهو يشكل أكثر من 40% من الاقتصاد الوطني حسب دراسات منظمة العمل الدولية.

ولابد من العودة عن التفكير بأن دور الحكومة (في ظل وحسب برامج الإصلاح التي اعتمدتها مع صندوق النقد الدولي) لا يعدو أن تكون  مراقب للاقتصاد ومنظم أبوي لأنشطة القطاع الخاص لا يُحفّز الريادة وبناء نشاط ومستقبل الأمة. فابتعاد الحكومة عن تكوين شراكة فاعلة مع القطاع الخاص فكر بالٍ قديم ومستهلك بل ومتخلف لا مكان له اليوم. الحكومة ليست مشاهد عن بعد أو مقرض الملاذ الأخير، بل هي المستثمر الاول ومدير الاقتصاد الذي يتوقع المصاعب والمآزق قبل أن تحدث وليس معالج لها بعد وقوعها وتفشيها.