Sunday, February 14, 2021

المناعة الاقتصادية 14 2 2021

 


عطّلت جائحة كورونا الكثير من سلاسل إمداد السلع (منظومة من المؤسسات والبشر والتقنيات والأنشطة والمعلومات والموارد اللازمة لنقل المنتجات أو الخدمات من المُجهّزين إلى العملاء) في العالم وأثرت في صادرات السلع عالميا، مما قد يؤدي الى انتقال ما يقارب من 3 الى 5 تريليون دولار من الصادرات السلعية من دول لأخرى وبنسبٍ مختلفة حسب أنواع الصناعات خلال الخمس سنوات القادمة. كما تأثرت سلاسل الإمداد في الأردن محليا وبشكل كبير مما كبح العرض والطلب في الأردن كدولة مستوردة بالأساس تفوق وارداته ثلاث أضعاف صادراته لأن غالبية ما تنتجه الصناعات التحويلية في الاردن كالصناعات الغذائية وغيرها يستهلك محلياً ولا يصدر منه إلا النزر اليسير.

سلاسل الإمداد في الأردن مرتبطة بمليارات الدنانير في الاستثمارات والاف العلاقات والشركات المتخصصة وجغرافياتٍ متنوعةٍ وشبكاتٍ تتعدى المحلية، والأردن منكشفً للعديد من المخاطر الخارجية كإغلاق الحدود (مثل ما حصل مع سورية والعراق) وانقطاع المساعدات او شُحّها وتقلبها من سنة لأخرى، وانقطاع الغاز المصري في عام 2011 مما أدى لرفع سعر الوقود والطاقة لسداد دين الحكومة (والذي لم يسدد حتى الآن)، والحروب والأزمات في المنطقة وما ينجم عنها من تدفقات بشرية والحاجة الى المساعدات. وهي مخاطر يجب ان تكون ضمن إطار وتفكير ووعي صانعي السياسات الاقتصادية ويجب ان يتوقعها المخططون مسبقا ويُمكّنوا جاهزية الاقتصاد للتعامل معها، ووضع الحلول والإجراءات قبل أن يواجه الأردن تحديات جديدة.

يضاف الى ذلك، ان الجائحة أجبرت المصنعين والمستوردين والمصدرين على النظر بعمق الى صحة وامن العمالة فيها، وانكشفوا للمصاعب اللوجستية ولنقص المواد والمعاناة من القفزات غير المتوقعة هبوطاً وارتفاعاً في الطلب ومشاكل السيولة سواء من حيث الحصول على التمويل أو التمويل بأسعار فائدة مرتفعة. وهي مشاكل يتم التباحث فيها عالمياً. وجد معهد ماكينزي للدراسات العالمية ان شهر من التعطل سيحدث كل 3.7 سنة، وسيؤدي الى تكاليف مالية كبيرة، وقد تخسر الشركات في كل 10 سنوات 40% من ربحها السنوي، كما أن أي صدمة عميقة تمتد لمائة يوم قد تزيل كافة أرباح المؤسسات الإنتاجية. وكما في باقي دول العالم، فمناعة المنتجين في الأردن مهمة جدا لاستمرار الاقتصاد.

تعيد بصمة الجائحة تشكيل الاقتصاد الوطني بشكل كبير مما يجب أن يدعو الجميع للتفكير بجديةٍ في منظومة الاردن الاقتصادية والمنطق الناظم لها وفي دور الحكومة كشريكٍ فاعلٍ وايجابي الأثر والتأثير. وبينما كان الناصحون من المانحين للأردن والمحللون المحليون (ومنهم الكاتب) لعدة سنوات يقولون بأن المنافسة من خلال العمالة القليلة الكلفة لا تكفي لوضع الأردن على خارطة العالم الاقتصادية، وأن على الاردن ان يزيد من انتاجيته وينمي المهارات فيه وتحسين جودة ونوعية الإنتاج، فإننا الآن وبعد الازمة الاقتصادية التي اوجدتها جائحة الكورونا نطالب بأن تحتوي لائحة التوصيات على زيادة منعة ومناعة الاقتصاد مما يتطلب تقييم مدى تعرض الاقتصاد الاردني للمخاطر ومعرفة مدى هشاشة سلاسل الإمداد لمخاطر الجائحة وغيرها وبناء القدرات المحلية لتقوية كل حلقة من حلقات هذه السلاسل لكي تكون أكثر قدرة على تحمل مثل هذه المخاطر وتفادي عواقبها.

No comments:

Post a Comment