Sunday, December 1, 2019

هل كان الاقتصاد في فترة ركود أم كساد 2010-2018

هل كان الاقتصاد في فترة ركود أم كساد 2010-2018
د. يوسف منصور
1 12 2019
يُعرّف الركود، بشكل عام، على أنه ربعين متتاليين من نمو سلبي للناتج المحلي الإجمالي، والثاني يصف الركود بأنه تراجع كبير في النشاط الاقتصادي الوطني يستمر لأشهر. أما الكساد فهو ركود مطوّل في النشاط الاقتصادي، والتعريف الرسمي للركود هو ربعين متتاليين من الانخفاض في الإنتاج، بنسبة 10٪ على الأقل، حيث يكون الكساد ركود حاد طويل الأجل كأن ينكمش خلاله الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مدة قد تصل إلى ثلاث أو أربع سنوات وأكثر ولفترات طويلة من الزمن، والمثال الأكثر شهرة هو الكساد العظيم أو الكبير االذي حدث في عام 1930 في الولايات المتحدة.
وما يهم الاردنيين هو الاطلاع على ما حصل للناتج المحلي الحقيقي للمواطن (دخل المواطن الحقيقي) خلال العقدين الماضيين، لذا أبين في الرسم البياني أدناه معدلات التغير في الناتج المحلي الحقيقي للفرد منذ 1991 وحتى 2018، والارقام جميعها من قاعدة بيانات البنك الدولي، والتي يحصل عليها من الجهات الرسمية في الأردن مثل دائرة الاحصاءات العامة.


الملاحظ، ومن خلال قراءة أولية للارقام والحقبات الماضية أن معدل التغير في الفترة 1990-1999 كان ايجابياً، وبمعدل ارتفاع 1.4% سنويا في الدخل الحقيقي للمواطن. كما أثر في هذا المعدل نمو حقيقي في دخل المواطن في عام 1992 نتيجة عودة اخوتنا من الخليج نتيجة الحرب الخليجية الأولى وضخ 1.6 مليار دولار من مدخرات وتعويضات. أما في الحقبة 2000-2008، فكان متوسط النمو للدخل الحقيقي للمواطن 3.5% وذلك نتيجة لضخ الاستثمارات من القادمين من العراق في 2004-2008، حيث نما دخل المواطن الحقيقي بالمتوسط البسيط بنسبة 4.06% سنويا.
أما فترة انكماش السيولة وبدء فقدان الغاز المصري التي سبقت الربيع العربي 2009-2010 فقد شهدت معدل نمو حقيقي سالب لدخل المواطن (سالب 1.3%)، والسبب ان النمو في 2010 كان (سالب 2.9%).  تلى هذه الفترة سنين طوال (2011-2017) من انكماش في معدلات نمو دخل الفرد الحقيقي بلغت بالمتوسط الحسابي ( سالب 1.75%) سنويا، أي أن دخل الفرد الحقيقي كان يتراجع سنويا بهذه النسبة. وكانت أعلى نسبة تراجع خلال فترة الحكومة 2012-الى 2015 حيث بلغت النسبة (سالب 2.3%). وكان متوسط التغير سالبا أيضا (2016-2018) ولكن بنسبة أقل بكثير من تلك التي سبقتها (سالب 0.1%). أما عام 2018 بالذات  فلقد نما الدخل الحقيقي فيه بنسبة ضئيلة، ولكنها كانت ايجابية بمقدار (ايجابي 0.1%)، أي أنها شهدت بداية تحسن كبير بالنسبة لما سبقها.
بالنتيجة، يمكننا أن نتبين أن الاقتصاد الأردني شهد فترة تراجع، بل سالب، في نمو الدخل الحقيقي للمواطن منذ عام 2010، وأن هذا التراجع بدأ قبل الربيع العربي والأزمة السورية. ايضاً، إن ولاية بعض الحكومات شهدت تراجع كبير في دخل المواطن الحقيقي كما هو مبين أعلاه، وما على القارىء إلا أن يقارن السنين بفترات هذه الحكومات ليستدل على أيها كان أفضل أداء بالنسبة لدخل المواطن. كما أن دخل المواطن الحقيقي وعلى مدى تسع سنوات كان يتراجع في المتوسط بنسبة (سالب 1.7%)، اي أن الاقتصاد كان يعاني خلال هذه السنوات التسع من كساد عميق، الأمر الذي يحتاج فعلاً الى حلول جريئة.
الحلول، وادرج هنا حلول لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وليس بالضرورة التنمية، والتي تعني في بعض التعاريف معدلات نمو مرتفعة ومستمرة لفترات طويلة من الزمن:
·       يجب تعزيز الثقة بالحكومة فالثقة مهمة لنجاح مجموعة واسعة من السياسات العامة التي تعتمد على الاستجابات السلوكية من الشعب، والثقة ضرورية لزيادة ثقة المستثمرين والمستهلكين بالاقتصاد الوطني، وللأنشطة الاقتصادية الرئيسية، وأبرزها التمويل، كما أن الثقة في المؤسسات مهمة لنجاح العديد من السياسات والبرامج واللوائح الحكومية التي تعتمد على تعاون المواطنين وامتثالهم.
·       لذا، فالحكومة ملزمة بالحد من عدم اليقين في البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال الانفتاح والتركيز على مشاركة المواطنين وتسهيل الوصول إلى المعلومات لتعظيم ثقة الشعب، وتوخي العدالة والإنصاف وسيادة القانون في تقديم الخدمات العامة وتنظيمها، كما أن النزاهة أحد العوامل الحاسمة الأهمية للثقة ، وفهم مبادىء وكيفية تصميم السياسات يمكن أن يعزز الثقة بالمؤسسات وادائها وبين الحكومة والمواطنين.
·       الاقتصاد الاردني صغير، بالإمكان تحويل معدلات النمو فيه بسرعة. لماذا التركيز على معدلات النمو؟ الاستقرار النقدي، إعادة التفاؤل والتوقعات الايجابية لتزيد من الانفاق والاستثمار. فالحكومات، ومنها الحالية، لن تستطيع أن تستمر في نهج الصندوق (التقشف، وزيادة الضرائب والرسوم، وتقليل الدعم، وخفض الانفاق الراسمالي) وإن تشدد الصندوق فيمكن الاقتراض داخليا من فوائض البنوك ولكن ليس بمعدلات فوائد كما في 2004-2008
·       مشاريع تشاركية تجذب الاستثمارات في القطاعات الرئيسية التمكينية (الطاقة، المواصلات، والماء) وإجرائيا، يجب الاعتراف بنقص الكفاءات والاستفادة من الخبراء في طرح هذه المشاريع، واستثمار أموال صندوق الضمان في مشاريع تشاركية تشغل العمالة المحلية بطرق مدروسة وعلمية وشفافة بالشراكة مع خبرات من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية لما لديهم من خبرة واسعة وعالمية وحيادية في مشاريع التشاركية.
أما التحول نحو التنمية، وهي تختلف كثيرا عن النمو، فيتطلب تغيير قانون الانتخابات كما ذكرت الأجندة الوطنية في 2005 للخروج بحكومات تشكلها الاحزاب السياسية. لماذا؟  لتحسين مخرجات الانتخابات بنواب مؤطرين فكريا على مستوى الوطن وليس الجهة أو القربى التي ينتمي اليها الشخص. ويجب تشكيل حكومات من رحم الاحزاب، تراقبها الاحزاب المعارضة كما يحدث في دول العالم المتقدمة، وإلا فستبقى الرقابة انتقائية وتابعة للحكومات أو غيرها دون مؤسسية في الطرح أو النقد أو التغيير. وأيضا، لكي يكون نهج الحكومات مستقر، ومعروف مسبقا، وليس خاضع لمنطلقات الشخصيات الفكرية وتحيزهم العلمي لتدريبهم أو مهاراتهم وتجاربهم الخاصة، وهكذا تحصل استدامة في التوجهات الاقتصادية بعيدا عن الفزعات وأحادية القرار وصومعة الأداء والعمل.

No comments:

Post a Comment