Thursday, November 28, 2019

لمن يهمه التاريخ، وكيف كانت البطالة في الأردن وأصبحت: البطالة زمان والآن

البطالة زمان والآن

د. يوسف منصور

11 6 2013

تعودنا في الأردن منذ بداية القرن الجديد على معدلات بطالة تفوق 10%، وهي معدلات بطالة مرتفعة وخطيرة خاصة إذا ما استمرت حيث تشير الى بطالة هيكلية (متجذرة في النظام وممارسات مؤسساته الرسمية وغير الرسمية) ولكن هل تعلم أن معدل البطالة في الأردن كان لا يتجاوز 2%في السبعينات؟ دعونا نستعرض بعض الأرقام ونرى كيف حصل ذلك.

بلغ معدل البطالة 1.6% حسب الأرقام الرسمية في 1976،  أي أنه كان اقل من معدل نمو السكان الذي كان أكثر من ضعف معدل البطالة. أي أنك كنت لا تستطيع ان تجد كفايتك من العمال، فتبحث عن العمالة ولا تجدها. أيضا كان معدل النمو الاقتصادي الحقيقي يفوق 8.5%، والغلاء يقارب 12% مما يعني أن الاقتصاد كان يغلي بما فيه من نشاط وحيوية، وكان خريجي الجامعات يجدون الوظائف مباشرة (أحد الأسباب أن نوعية التعليم والتدريب كانت أفضل).

كنا قد بدأنا بتصدير عمالتنا بقوة الى الخليج الذي ابتدأ آنذاك طفرة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه وربما منذ اكتشاف النفط لديه، حيث بدأت أموال النفط تتزايد نتيجة حرب أكتوبر، وقرار المرحوم الملك فيصل بقطع النفط عن أمريكا إن لم تتدخل لتخرج غسرائيل من مصر، ثم اتخذ قراره حين تلكأت أمريكا فارتفع سعر النفط وتحسن دخل العرب من النفط منذ ذلك الحين. وكانت المساعدات العربية للحكومة تصل إلى نصف دخل الحكومة تقؤريبا، وكانت الضرائب قليلة وغير موجودة أحيانا.

كما كان أحد اسباب تدني البطالة في الأردن أن العمالة الأجنبية لم تكن قد اكتشفت السوق الأردني حتى ذلك الوقت، وكانت جميع الوظائف (نعم جميعها) للأردنيين، ولم يكن هنالك عمالة ضيفة تذكر لدينا. ولكن سرعان مأ أخذ الوضع بالتغير، ولم تنتبه إليه الحكومات وربما ساندته لتحصل على رسوم أكثر من العمالة الوافدة، كما درجت العادة لدينا أن لا نقوم بالإصلاح إلا يعد أن تقع الحكومة في صعوبات مادية لأما أيام الرخاء فآخر ما تفكر به التخطيط والتجهيز للمستقبل.
وبالفعل، بدأت بعد ذلك معدلات البطالة بالارتفاع مع استبدال العمالة المحلية بالأجنبية وارتفاع دخل الأردني من الخليج وتوجهه للوظائف الحكومية المريحة نسبيا، لتصل البطالة في عام 1981 الى 3.9%، ولتستمر في الصعود بتسارع كبير فتصل الى 8% في عام 1987، وتقفز الى 10.3% في عام 1989 حين سقط أيضا معدل النمو الحقيقي ليصبح سالب 10.7%، وليسقط الدينار مع الإنفاق الحكومي غير ألمدروس وانتشار العمالة البديلة، وسياسات الحكومة التوسعية في التوظيف من غير حساب، وللاسف استمر الأثر على العمالة في 1990 ليقفز معدل البطالة الى 16.8%، والغلاء إلى 16.2% وكان النمو الحقيقي سالب 0.3%، ما أقساها من أيام في تاريخ الأردن الاقتصادي يجب أن لا تنسى.

 ثم ارتفعت البطالة الى 17.4% في 1991، وهبطت الى 15% في 1992 مع بدء إنفاق مدخرات وتعويضات أهلنا العائدين من الخليج وتحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي بلغ  14.2% وكان من أعلى معدلات النمو التي حققها الاقتصاد الأردني على مدى خمسين عام.

ولكن سرعان ما ارتفعت البطالة لتصبح 19.2% في عام 1993 بعد إنفاق مدخرات العائدين وفشل البنية الاقتصادية في التحرك وخلق الوظائف والاستفادة من هذه الأموال والاستثمارات التي ذهب معظمها الى البناء وأدى إلى توظيف غير الردنيين في مهنة البناء الشاقة واستمرار الحكومة (رغم مقولتها بعكس ذلك) في سياسات التوظيف غير الكفؤة.

وبعد كل ذلك بدأ القرن الجديد بمعدلات بطالة تراوحت بين 12.5% في أحسن الأحوال و15.3% في اسوأها وها نحن نرى البطالة ترتفع، والحكومة في نمو مستمر بينما لا يتجاوز معدل النمو الحقيقي للاقتصاد 2.7%، وأعتقد أنه أقل من ذلك، كما أننا إذا استثنينا النمو الحكومي لوجدنا أن نمو القطاع الخاص سالب أو قريب من الصفر خاصة وأن قطاع الصناعة التحويلية مستمر في الخسارة لعامه الثالث.

يبين التاريخ لنا وأرقام البطالة أن العودة إلى معدلات بطالة متدنية ممكن جدا. وفي الوقت الحالي يجب على الحكومة أن تعود عن سياستها "التقشفية" التي ثبت فشلها في العالم، وأن تحسن من نوعية الانفاق لديها، وأن تعمل بسرعة على زيادة دخل المواطن الحقيقي، وإلا فكل ما تقوم به لن يتجاوز كونه عمليات تجميل ستؤدي الى نتائج وخيمة وبعجالة، ولقد اعذر من انذر.

ملاحظة: وصل معدل البطالة الآن (2019) الى 19.2%

1 comment: