Thursday, February 13, 2020

قراءة أولية في اقتصاديات "صفقة القرن" (الضفة الغربية وقطاع غزة)

 من منشورات منظمة النهضة العربية للديموقراطية والتنمية  (إعدادي)

مقدمة

Text Box: "يمثل الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع للاراضي العربية احد اكبر العقبات استشراء كمهدد ومعرقل لمسيرة الامن التقدم في المنطقة، جغرافياً (حيث انه يؤثر على المنطقة باسرها) وزمنياً (حيث انه لا يزال مستمراً لعدة عقود)، وتنموياً (حيث يؤثر تقريباً على جميع جوانب التنمية الانسانية وامن الناس بصورة مباشرة بالنسبة لملايين وبصورة غير مباشرة لملايين اخرى). وتتعدى التكلفة الانسانية للاحتلال إزهاق الكثير من ارواح الناس وفقدان أرزاق العديدين من ضحاياها المباشرين. فاذا كانت التنمية الانسانية عملية لتوسيع الخيارات، واذا كانت تعني ان الناس يجب ان يتمكنوا من التأثير على العمليات والقرارات التي تشكل حياتهم، اذا كانت تعني التمتع الكامل بحقوق الانسان، فانه يمكن القول ان ما من شيء يقضي على تلك الرؤية النبيلة للتنمية أكثر من اخضاع الناس لاحتلال أجنبي. "
تقرير التنمية الانسانية العربية 2002
تُبشّر "صفقة القرن"، التي صدرت وثيقتها بتاريخ 28 يناير 2020، في عنوانها بالرخاء لأهل الارض المحتلة بينما لا تتعدى كونها وثيقة تُشرّع بشكل أحادي تمكين كيان غير شرعي (حسب مئات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والجهات الدولية ذات الاختصاص) الحصول على تنازلات من صاحب الحق، وزيادة رقعة مساحة الاحتلال من الضفة الغربية ب 30%، واضفاء شرعية (أحادية الطرف) على 240 مستعمرة غير قانونية حسب التشريعات الدولية، مع انهاء اي حقوق للفلسطينين سواءً كانت تاريخية او آنية او مستقبلية. وبالمقابل سيتجمع الفلسطينيون في فتات من أراض يسكنونها دون القدرة عن الدفاع عنها، او حتى التأكيد على ثبات حدودها، وسيترك أمر أمنها، أو عدمه، لاسرائيل لكي تقرر الأخيرة لاحقاً ما إذا كانت ستعطيهم بعض "الميزات" وبعد مفاوضات مستقبلية قد ينجم عنها، وكما هو معهودٌ من حلقات التفاوض السابقة مع اسرائيل، تنازلات فلسطينية إضافية ومزيد من القهر والتهجير وتشريع لاستعمار وتوسيع مؤسسي لرقعته.
فما ورد من "ميزات" تمنحها الوثيقة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتمد على رضا وأهواء وتطلعات وموافقة المُحتل الآن ولاحقاً. لذا، ومع الرفض التام لما ورد في وثيقة "صفقة القرن" والتأكيد على عدم شرعية حق إسرائيل أو أمريكا أو أي دولة شاركت أو ساهمت أو فاوضت او نسّقت في صياغتها بالإملاء على شعب محتل ومهجر قسريا، يتناول التحليل هنا، وهو أوّلي طبعا، بعض الجوانب والفرضيات الاقتصادية والمشاريع التي عرضت لها وبنيت عليها "الصفقة".

الشروط للرخاء: استسلام، وفقدان حقوق، ولا عودة، ولا سلاح، ومفاوضات لاحقة

1.   تشترط ما طرحته “الصفقة” واسمته ب"خطة ترامب الاقتصادية" الالتزام التام من قبل الفلسطينين ب"معاهدة السلام" الناجمة عن "الصفقة". وترتكز خطة ترامب على ثلاثة محاور، الاقتصاد والناس والحكومة، وتطالب لتحقيق أية منافع للدولة الفلسطينية قيام تجهيزات مؤسسية وحاكمية وتشريعية في الدولة الفلسطينية قد توافق أو لا توافق عليها اسرائيل.
2.   وتقول الخطة بأن حماية حدود الدولة الجديدة ستكون لاسرائيل، مما سيمنح الدولة الجديدة "منفعة كبيرة" وسيكون حق الحفاظ على الأمن الداخلي في الدولة الفلسطينية ب "الأساس لاسرئيل"، وسيتم التفاوض على دور الدولة الجديدة في الحفاظ على الأمن والذي سيقتصر على الحفاظ على النظام العام، وتطبيق القوانين ولكن "وبأي حال" سيكون أمن الحدود شراكة بين اسرائيل والاردن ومصر. كما سيضطلع أمن الدولة الجديدة بحماية المسؤولين الحكوميين، ومنع "الارهاب" في دول الجوار (ستكون غزة منزوعة السلاح كلياً)، وقد يُسمح أن تشارك أجهزة أمن الدولة الفلسطينية في أمن الحدود بشكل محدّد مع أجهزة الأمن في اسرائيل والاردن ومصر، على أن لا تقلل هذه المشاركة من أمن اسرائيل بأي شكل من الاشكال.
3.   كما ستحافظ اسرائيل على وجود قوة عسكرية داخل مناطق الدولة الفلسطينية تُعنى بالانذار المبكر. ولم تحدد الوثيقة حجم هذه الوحدة والتي ستضمن لها الدولة الفلسطينية الدخول والخروج الى المناطق ضمن إدارتها دون اي إعاقات (أي ان الاحتلال لن ينتهي بموجب هذه "الصفقة").

المشاريع والانشطة الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة كما وردت في “الصفقة”

نورد أدناه جدولاً مُلخّصاً للمشاريع والأنشطة التي تُبشر وثيقة "الصفقة" بانجازها في الضفة الغربية وقطاع غزة كما وردت في الملاحق وحسب الأرقام الواردة في الوثيقة.
المشاريع والانشطة المطروحة في وثيقة "الصفقة"
غزة والضفة الغربية
القروض
(مليون $)
المنح
(مليون $)
القطاع الخاص (مليون $)
المبلغ الكلي
(مليون $)
الفترة الزمنية (بالسنوات)
استراتيجية الاصلاح
0
475
0
475
1- 3
رأس المال البشري
250
1100
150
1500
1- 10
ريادة الاعمال والابتكار
300
110
0
410
2
المؤسسات المتوسطة والصغيرة
470
180
0
650
1- 3
الطرقات والسكك الحديدية
3750
652
1250
5652
2- 8
معابر الحدود
0
910
0
910
1-10
الطاقة
1778
249
555
2582
1-10
المياه والمياه العادمة
741
1462
119
2322
0-10
الخدمات الرقمية
1869
50
706
2625
1-7
السياحة
865
300
285
1450
2-10
الزراعة
708
115
88
911
3-8
الاسكان
500
500
0
1000
3-7
الصناعة التحويلية
600
125
150
875
3-8
المصادر الطبيعية
1080
10
360
1450
8
نوعية التعليم
0
645
0
645
1- 10
الوصول الى التعلم
250
600
0
850
1-10
تحسين قدرة تحمل التكاليف التعليمية
0
400
0
400
1-6
الشباب والنساء
0
20
0
20
1-5
العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات
0
50
50
100
4
التدريب المهني
0
40
35
75
3
التدريب خلال العمل والتلمذة الصناعية
0
35
65
100
1-10
تدريب القوى العاملة
0
50
0
50
1-5
الخدمات الصحية
600
400
0
1000
1-9
نوعية العناية الطبية
0
120
0
120
2-5
الطب الوقائي
0
200
0
200
2
الفنون والثقافة
50
180
0
230
1-5
الرياضة
0
100
0
100
2-5
خدمات البلدية
0
300
0
300
1-4
حقوق الملكية
0
140
0
140
1-5
اطار التشريعي والضريبي
0
50
0
50
3
اسواق المال والسياسة النقدية
0
25
0
25
2
التجارة الدولية والاستثمارات الخارجية
0
75
0
75
2
استقلالية القضاء
0
175
0
175
1-5
المساءلة
0
75
75
3
الشفافية
0
50
50
3
المجتمع المدني
0
180
180
1-10
الاستدامة المالية
750
1075
0
1825
1-5
الخدمة المدنية
0
400
0
400
1-5
ايصال الخدمات
0
335
0
335
3-5
المجموع
14561
11958
3813
30332

ملاحظات حول وثيقة "الصفقة"

ما يلي هو بعض الملاحظات الأولية حول الأمور الاقتصادية الواردة في الوثيقة.

أرقام المشاريع غير دقيقة

1.   يبلغ مجموع قيمة المشاريع في الجدول أعلاه 30332 مليون دولار وهو رقم يختلف عن ذلك المذكور في الصحفة 97 في وثيقة “الصفقة” والذي يبلغ 27813 مليون دولار، وذلك لان بعض المشاريع في بداية الجدول (كما ذكرت الوثيقة) مكررة، ولكن، لا يوجد في الوثيقة طريقة أو أسلوب لفصلها والتحقق من الأرقام، مما يضفي صفة الضبابية على المشاريع وقيمها. لذلك، سنعتمد مجاميع الارقام في الجدول هنا لحساب نسب مصادر التمويل وهي: القروض (48%)، والمنح (39%)، واستثمار القطاع الخاص (13%).
2.   اذا جمّعنا الأرقام للمشاريع والمنح والقروض كما في الشكل الوارد (الصفحة 96) في الوثيقة، وهي على شكل حصص في دائرة أو ما يُسمّى بالفطيرة، نجد أنها تصبح 31143 مليون دولار، وليس 27813 مليون دولار كما تدعي الوثيقة، بل تزيد عنها ب 2560 مليون دولار، وتزيد أيضا عن مجموع المشاريع (30332 مليون دولار) التي جمّعها البحث من الوثيقة بمقدار 811 مليون دولار.
3.   أخطأت الوثيقة ايضا بالنسبة لبند "تطوير الاعمال" حيث ذكرت ان كلفته 560 مليون دولار في الصفحة 96 في النسخة الالكترونية من الوثيقة، بينما ذكرت أن كلفته  650 مليون دولار في جداول المشاريع المُفصّلة.
4.   من الغريب ان يحدث مثل هذا من عدم الدقة في وثيقة صادرة عن دولة عظمى، كما يوجد أيضاً اخطاء لغوية لا تليق بوثيقة تُسمّى ب "صفقة القرن".

الاستثمارات

1.   بناءً على أرقام جدول استثمارات القطاع الخاص فانها تبلغ حسب الوثيقة 3813 مليون دولار على مدى عشر سنوات، اي بمعدل 381.3 مليون دولار سنوياً وهو رقم زهيد جداً في دولة تفتقر، نتيجة الاحتلال، الى البُنى التحتية والفوقية.
2.   قد تكون استثمارات القطاع الخاص في الغالب من قبل حكومات دول مؤيدة للصفقة، ولكن إن كانت فعلا من قبل القطاع الخاص تصبح غير مضمونة أو مؤكدة، فالتفاوض عليها سيخضع لشروط التعاقد (العائد على الاستثمار، مدة الاستثمار، مؤهلات المستثمر، موقع ومساحة المشروع، الآثار البيئية والمحلية، التكاليف، وغيرها) التي يتم التفاوض عليها عادة، مما يجعل هذه الاستثمارات غير مؤكدة. لذا، لا يجب أن تُحسب من ضمن ما تقدمه الوثيقة من دعم للدولة الفلسطينية، خاصةً اذا ما كانت في المرحلة الاولى او حتى الثانية من "الصفقة"، وهي مراحل بناء المؤسسات التي أضعفتها بل وهدمتها اسرائيل على مر عقود من الزمن. وفي جميع الأحوال، يمكن الافتراض أنها ستكون في الغالب استثمارات حكومات وليس القطاع الخاص، واذا تم الموافقة عليها من قبل الدولة الفلسطينية ستكون الموافقة إذعانية بمبدأ "اقبل بهذا او لن تحصل على شيء"، مما سيضعف الجانب المفاوض الفلسطيني.
3.   سيكون تنظيم الاراضي والمدن بيد الاسرائيلين في المناطق المتاخمة لحدودها، اما تلك البعيدة عن حدودها فستترك تنظيمها للدولة الجديدة، مما سيقلل من فرص الاستثمار الممكنة للدولة الفلسطينية ويجعلها حصراً بيد اسرائيل في المناطق المجاورة لها، وهي مناطق غير محددةٍ وقد تشمل نسبة مساحية كبيرة من الاراضي كون المناطق موزعة حسب الخارطة على شكل كانتونات صغير يحاصرها المحتل.
4.   كما أن المشاريع المرتبطة بالتواصل مع دول المنطقة كالاردن ومصر ودولة الاحتلال تتطلب موافقة هذه الدول على الشروط والمشاريع والتكاليف والرسوم المترتبة عليها والتي سيفرضها الآخر ولو بحسن نيةٍ من قبل الاردن ومصر، وبحسب أهواء اسرائيل.
5.   سيكون تمويل ما يتعلق بتعديل الانظمة والتشريعات والمؤسسات الرقابية (وهو الأهم لاسرائيل وخاضع لاشرافها وموافقاتها) على شكل منح في السنوات الثلاث الاولى، بينما سيأتي 17% من الاستثمار في تحسين رأس المال البشري على شكل قروض و10% كاستثمارات من القطاع الخاص.
6.   من البديهيات أن رأس المال جبان، لذا يبحث المستثمر الاجنبي عن دول مستقرة، آمنة لاهلها وله ولاستثماراته، وذات حدود يحترمها الاخرون، لذا لا يمكن الجزم بأن الاستثمارات ستتدفق الى الدولة الفلسطينية، خاصة وأن هذه الاستثمارات ستكون أيضا خاضعة في جميع مراحلها لموافقات اسرائيل.

تحرير التجارة

1.   ستمنح اسرائيل الاقتصاد الفلسطيني الحق بأن يحرر التجارة، وستوقع الولايات المتحدة مع الدولة الفلسطينية (بعد منحها شهادة حسن سلوك من اسرائيل) اتفاقية تجارة حرة شبيهة بما وقعته مع اسرائيل والاردن ومصر. المختلف هنا هو وجوب استخدام مينائي حيفا وأشدود، وستُحصّل الموانىء الرسوم التي تقررها اسرائيل الى حين تعتقد اسرائيل بجاهزية الدولة الفلسطينية لكي يكون لديها ميناء، ثم قد يسمح لها بعد مرور خمس سنوات ببناء مينائها الخاص ومطارها في غزة (واللذان دمرتهما اسرئيل سابقاً). إن الرسوم التي تفرضها قد تؤدي الى رفع تكاليف الشحن والعبور والنقل والاستخدام، مما سيفقد مبدأ تحرير التجارة الخارجية أي معنى، ويجعل التجار يعتمدون كليا على التجارة من خلال اسرائيل ومؤسساتها كحل بديل وأقل تعقيدا وليس مؤسسات الدولة الفلسطينية.
2.   تقرر اسرائيل السماح أو عدمه للبضائع بالمرور.
3.   لا يسمح للدولة الفلسطينية ان توقع على اي اتفاقية او أن تنضم لأي منظمة إلا بموافقة اسرائيل، لذا قد تمنع "الصفقة" الدولة الفلسطينية من الانضمام الى منظمة التجارة العالمية كعضوٍ فاعل. لاحظ أن منظمــة التجــارة العالميــة لا تشــترط أن يكــون الأعضــاء دولاً ذات ســيادة، بــل يكفــي أن يتمتــع العضــو بالاستقلالية في تقرير سياسته وعلاقاته في التجارة الخارجية وفي اتخاذ القرارات الـتي تقـع ضـمن اختصـاص المنظمـة.
4.   تحصل اسرائيل على حرية تامة في توقيع أي اتفاقيات تحرير تجارة أو استثمار مع الدول العربية فتكسب دخول الاسواق العربية بشكل مشروع ومنظم وستستقبل الاستثمارات وتعقد الشراكات مع من ترغب.
5.   سيكون عبور البضائع من خلال الحدود البرية الاردنية او المصرية تحت رقابة اسرئيل ولها ان ترفض مرور اي سلعة وحسب شروط ومعايير يتفق عليها دون ان تكون ملزمة لاسرئيل، حيث أن لها الحق في أان تغيّرها حسب ما ترتأيه مصالحها وما يتطلبه أمنها وهو متطلب مطاط استخدمته اسرائيل بضراوة على مر العقود.
6.   سيقام في الاردن مطار خاص في الشونة الجنوبية يدعم منطقة التجارة الحرة هناك والتي لم يتم تحديد حجمها وموقعها بعد، وسيسمح للدولة الفلسطينية باستخدام المنطقة، ولكن البضائع لن تدخل عبر الاراضي الاسرئيلية الا بموافقة اسرائيل، وسينشئ الاردن حسب "الصفقة" موقعا خاصاً للبضائع للدولة الفلسطينية في ميناء العقبة تحت رقابة الأمن الاردني وحسب الرسوم والكلف التي تقررها الأردن.

السياحة

1.   لن تستفيد الدولة الفلسطينية من السياحة، فلكي تبدأ باستقبال السياح يجب ان تبني (بعد المفاوضات وبعد ان توافق اسرائيل لاحقا على الاجراءات الامنية) مركزاً لاستقبال السياح المسلمين الذين يرغبون في زيارة الاماكن المقدسة في منطقة أتاروت (شمال قلنديا). طبعاً، في حال تعقيد الاجراءات، يوجد بدائل حيث سيذهب السياح من خلال اسرائيل مباشرةً.
2.   كما سيتم التفاوض بشأن الادلاء الفلسطينين في المناطق الدينية، حيث انه لن يتم التصريح للأدلاء الفلسطينين بالعمل إلا بعد الموافقة (دون التزام بالموافقة) عليهم من قبل اسرائيل.
3.   أيضاً سيتم انشاء سلطة سياحية للقدس للترويج المشترك للاماكن السياحية في القدس وستقرر اسرائيل بشكل أحادي آلية التشارك في عوائد السياحة.

المعونات

1.   تفاخر "الوثيقة" بأن الولايات المتحدة منحت اللاجئين الفلسطينين 6.15 مليار دولار امريكي منذ النكبة، وتتناسى أنها وحسب جريدة هاآرتس، منحت امريكا لاسرائيل مساعدات رسمية (غير الرسمية تفوق ما نورده هنا بكثير) لذات الفترة بلغت قيمتها 233.7 مليار دولار امريكي (إذا ما حسبنا القيمة الحالية للمال)، أي حوالي 75 ضعف ما اعطته للفلسطينين.
2.   تقدم "الصفقة” منحاً بقيمة 13.38 مليار دولار وقروض مدعومة بقيمة 25.689 مليار دولار، واستثمارات بقيمة 11.6 مليار دولار، اي حوالي 50.67 مليار دولار. وسيتم توزيعها جغرافياً كما يلي: غزة والضفة (27.813 مليار دولار)، مصر (9.167 مليار دولار)، الاردن (7.365 مليار دولار)، ولبنان (6.325 مليار دولار).
3.   ومن خلال مراجعة أرقام المنح للدولة الفلسطينية فأنها تقارب 12 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وهو ما يقارب مقدار المنح الامريكية لاسرائيل خلال 2016-2018 (أي ثلاث سنوات فقط)، ويقابل المنح المشروطة للدولة الفلسطينية قروض بمقدار 14561 مليون دولار، أي أن الدولة الجديدة ستكون مثقلة بالديون.
4.   ترتفع نسبة القروض في بند "تشجيع الريادية والابتكار" الى 70% (300 مليون دولار من أصل 410 مليون دولار) ، وكأن كاتب "الصفقة" لا يعتقد بأن لدى الفلسطينيين القدرة على الريادة والابتكار.
5.   وبالنسبة ل لمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فستكون المساعدات على شكل بقيمة 470 مليون دولار، ومنح بقيمة 180 مليون دولار قروض على مدى ثلاث سنوات بمجموع 650 مليون دولار (وهو رقم مختلف عليه في "الصفقة" كما أشرنا أعلاه).
6.   سيبدأ العمل في بند "مشاريع البنية التحتية" في السنة الثانية وسيستمر حتى السنة الثامنة بكلفة 5652 مليون دولار، وستشكل القروض منها 3750 مليون دولار، واستثمارات القطاع الخاص 1250 مليون دولار، والمنح 652 مليون دولار، منها شبكة سكة حديد بكلفة 5 مليار دولار موصولة بمشروع سكك الحديد في الاردن. وستكون غالبية تمويل هذا المشروع من خلال القروض. وبالنسبة لميناء ومطار غزة المحتملين سيسمح ببنائهما بعد تنفيذ كافة الشروط وبعد تحقيق شروط إضافية تراعي المصالح الامنية والبيئية الاسرئيلية، وتفقد بعدها الدولة الفلسطينية حق استخدام مينائي حيفا واشدود والعقبة (إلا بموافقة الاردن وحسب شروط تفاوضية بين الدولة الفلسطينية والاردن).
7.   وبالنسبة للمعابر، فسيتم تحديث المعابر ممولة بمنح تبلغ قيمتها 910 مليون دولار.
8.   سيستمر الانفاق على الطاقة لفترة خمس سنوات وبكلفة اجمالية 2581 مليون دولار غالبيتها العظمى (1778 مليون دولار) على شكل قروض ولن تتجاوز قيمة المنح 249 مليون دولار بينما سيشارك القطاع الخاص باستثمارات تبلغ 555 مليون دولار.
9.   بالنسبة للمياه، سيتم تمويلها على مدى عشر سنوات 2322 مليون دولار منها 462 مليون دولار على شكل منح، و741 مليون دولار كقروض، و119 مليون دولار استثمارات القطاع الخاص، وستشتري الدولة الفلسطينية الماء من اسرائيل بقيمة 50 مليون دولار في السنة الأولى.
10.                      اما الخدمات الرقمية، فتموّل بقيمة 2625 مليون دولار على مدى ست سنوات، تشكل القروض منها 1869 مليون دولار (الثلثين تقريبا)، واستثمارات القطاع الخاص 706 مليون دولار.

الأثر الكلي على الناتج المحلي

1.   تُباهى "الوثيقة" بأن حجم الاقتصاد الفلسطيني سيرتفع من 14.6 مليار دولار الى 33.1 مليار دولار (أي الضعف) بعد عشر سنوات من التوقيع، بمعدلات نمو تتراوح بين 8.10% و 9.9%. وهي مباهاة غير لازمة فلقد نمى الاقتصاد الفلسطيني (رغم الاحتلال وشح المساعدات والمنح) في الفترة 2008 -2018 بنسبة 57%، وكان متوسط معدل النمو السنوي 5.1% وبلغ في بعض السنوات (2008، 2009) أكثر من 8%، كما بلغ 12.4% في 2010.
2.   ترتكب الوثيقة، إما عن عمد او نتيجة التسرع في كتابتها، خطأً اقتصادي فادح حيث انها تركز على الأرقام الاسمية (وليس الحقيقية)، كحجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ومعدلات النمو الاسمية، وهي ارقام ومعدلات تتضمن أرقام التضخم، أي أنها تخفي معدلات النمو الحقيقية، مما يُعني ان ارقام النمو هذه قد تكون ناتجة عن التضخم وليس بسبب نمو حقيقي. ومن الجدير بالذكر ان التضخم في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ في بعض السنوات 9.9% اي انها كانت أعلى من أعلى معدلات النمو الاسمي المطروحة في "الصفقة". وللتأكيد، كان من الأجدر بالوثيقة ان تستعمل معدلات النمو الحقيقية وهو أمر متعارف عليه، خاصةً وان الوثيقة تدّعي بان الرخاء سيعم مناطق الدولة الفلسطينية، مما يصاحبه عادة معدلات تضخم أعلى من السابق. لذا لابد وأن تراجع الوثيقة الارقام الواردة فيها، لكي لا تكون مضللة وغير دقيقة وتنافي مبادئ التخطيط الاقتصادي.
3.   وباالنسبة لدخل الفرد فان معدل نمو دخل الفرد (الإسمي وليس الحقيقي) سيكون ثابتاً بعد السنة الثالثة بقيمة 4% سنوياً، وهي نسبةٌ ضئيلةٌ جداً، حيث ان مقدار دخل الفرد السنوي الإسمي حسب الوثيقة 2952 دولار بينما هو 3199 دولار لعام 2018 حسب بيانات البنك الدولي. كما أن متوسط نمو دخل الفرد حسب قاعدة بيانات البنك الدولي في الفترة 2008-2018 بلغ 6% سنوياً، وبلغ 19% و 14% في 2010 و 2011 على التوالي. وهي نسب اعلى بكثير من اعلى نسبة نمو اوردتها الاتفاقية (9.9% في السنة الثانية بعد التوقيع).
4.   أيضاً، ومن خلال حسبة بسيطة تقوم على عكس العملية الحسابية لنمو دخل الفرد في "الوثيقة"، أي بقسمة الناتج المحلي الاجمالي على متوسط دخل الفرد، يتبين أن معدل النمو السكاني الذي افترضته "الوثيقة" على مدى عشر سنوات بعد التوقيع هو 3.5% سنوياً. وهي نسبة قريبة من نسبة نمو السكان (2.5%) خلال الفترة 2008-2018 حسب أرقام البنك الدولي. مما يعني أيضاً ان "الصفقة" لا تتوقع عودة اللاجئين على مر السنين وهو ما تم التأكيد عليه في الوثيقة ونبينه بالتفصيل في الجزء التالي.

عودة اللاجئين الفلسطينين

1.   تقدر دراسة قامت بها مشكورةً مجموعة طلال ابو غزالة عدد الفلسطينين في العالم 24 مليون نسمة، وحسب الجهاز المركزي الاحصائي الفلسطيني يصل العدد الى 13 مليون نسمة، 5 مليون منهم في داخل فلسطين، وبغض النظر عن اي من الرقمين سنعتمد، فإن السؤال هو كيف ستعوّض "الصفقة" اللاجئين الفلسطينين عما خسروه مادياً من أملاك وبنية تحتية وموارد رزق على ما يزيد عن 70 عاماً، بالاضافة الى الخسائر الاخرى غير المادية المرتبطة باللجوء في رقاع الارض؟
2.   لا تسمح "الصفقة" للاجئين الفلسطينيين بالعودة، وستطلب من بعض الدول الاسلامية ومن بينها العربية طبعا احتوائهم (5000 لاجىء سنوياً ولمدة عشر سنوات وحسب شروط واتفاقيات هذه الدول)، واندماجهم في اقتصاديات الدول التي تحتضنهم بما يتماشى مع تشريعات ورغبات هذه الدول. اما دخول الفلسطينيين من دول اخرى كسوريا ولبنان فسيكون حسب مصالح واعتبارات اسرئيل الأمنية.
3.   لا تعترف "الصفقة" بتعريف منظمة الاونوروا لللاجئين الفلسطينين، وتعرض إنشاء صندوق لتعويض اللاجئين (الذين لم يمارسوا "اعمالاً عدوانية" ضد اسرائيل) حسب شروط يتم الاتفاق عليها لاحقاً بين الدولة الفلسطينية وامريكا. لا تذكر الصفقة حجم ومقدار التعويضات إن وجدت ولكن تشير الى أن مصدرها سيكون من دول أخرى. كما لا يحق لاي لاجيء استقر بشكل دائم في مكان ما العودة لفلسطين بينما سيكون له الحق في المطالبة بتعويض من صندوق اللاجئين. وسيشرف على صندوق اللاجئين الفلسطينين ممثلين اثنين، واحد من الولايات المتحدة والثاني من الدولة الفلسطينية.

تعويض اللاجئين اليهود

1.   تتحوط "الصفقة" بأن هنالك لاجئون يهود أيضاً نتيجة الحروب والقتال مع اسرائيل، لذا  ستحصل اسرائيل على تعويضات مقابل اللاجئين اليهود الذين تركوا الدول العربية وهاجروا الى اسرائيل وغيرها، وسيتم ذلك من خلال آلية خارج هذه الاتفاقية.
2.   مما يُعني أن الدول التي توافق على "الصفقة" يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنها ستكون عرضة بعد الموافقة على "الصفقة" لمطالب اسرائيلية بالتعويضات لليهود الذين هاجروا من هذه الدول الى فلسطين.
3.   وبما أن اسرائيل لم تحدد الآلية في هذه الوثيقة فان الجهات التي ترضى ب"الصفقة"، توافق ايضاً على أن اسرائيل هي من سيحدد حجم وطبيعة وآلية صرف هذه التعويضات، مما سيفتح ابواب المطالبات بتعويضات بالمليارات لاحقاً، حيث بلغ مجموع ما دفعته ألمانيا منذ العام 1952 كتعويضات لاسرائيل أكثر من 70 مليار دولار، واذا ما حسب التضخم والقيمة الحالية لهذه الأموال فتصل الى أكثر من 150 مليار دولار).  

No comments:

Post a Comment