Sunday, January 19, 2020

لماذا لا أتفق مع رفع الحد الأدنى للأجور الآن



19 1 2020
قرأت مؤخرا عدم ممانعة القطاع التجاري لرفع الحد الأدنى للأجور، وتحفّظ بعض القطاعات الأخرى كالصناعة. لاحقا لمقالي السابق (الحد الأدنى للأجور في 5 كانون الأول عام 2019)، حيث ذكرت عدم ملائمة الرفع الآن بسبب ارتفاع التكاليف التي تواجهها بعض القطاعات، أقدم هنا تحليل بسيط لتحدي ارتفاع تكاليف الطاقة الذي يواجهه قطاع الصناعة، وعلى الأخص الصناعة التحويلية، في الأردن. حيث أن ارتفاع اسعار الطاقة يمثل التحدي الأكبر الآن لهذا القطاع، مما يجعل أي ارتفاع اضافي في تكاليف الانتاج (ومن ضمنها الأجور) أمر غير مرغوب به الآن لهذا القطاع.

لماذا الصناعة: يُشكّل قطاع الصناعة 24% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف أكثر من 23% من القوة العاملة في الأردن، ويبلغ استهلاك القطاع الصناعي بشكل مباشر حوالي %17 من الطاقة في الأردن، عدا عن الاستهلاك غير المباشر في عمليات النقل أو التخزين، لذا يعد القطاع الصناعي ثاني اكبر مستهلك للطاقة في الأردن بعد القطاع المنزلي، وتشكّل كلفة الطاقة نسب تتراوح بين 42% و26% من كلف الانتاج للصناعات المختلفة في الأردن.  لذا، حين يرتفع سعر الطاقة نتوقع زيادة في تكاليف الإنتاج، وتخفيض الكميات المنتجة، خاصة في بعض المصانع التي تشكل الطاقة جزء كبير من تكاليف الانتاج لديها.
وحسب دراسة مطوّلة شاركت بها مؤخرا مع زميلين اقتصاديين آخرين (د. نائل الحسامي، و د. أحمد المجالي) حول أثر أسعار الطاقة على الصناعة في الأردن، تبين أن رفع سعر الطاقة على الصناعة في الأردن بقيمة 10% يؤدي الى تراجع الإنتاج الصناعي بواقع 1% أو 73 مليون دينار، والقيمة المضافة بواقع 24 مليون دينار، وخسارة في الضرائب غير المباشرة التي يدفعها القطاع الصناعي  بواقع 2 مليون دينار، وارتفاع أعداد البطالة بواقع 2000 شخص.
تبين الارقام الرسمية ارتفاع سعر الطاقة للصناعة حسب موقع ونشرات وزارة الطاقة والمعادن من 362 دينار لطن الوقود في كانون الأول عام 2009 إلى 381 دينار في كانون الأول عام 2010 ثم إلى 517 دينار في ذات الشهر من عام 2011 وثم انخفض ليصبح475  دينار مع نهاية عام 2012. أي أن أسعار الطاقة للصناعة ارتفعت مع نهاية عام 2012 بنسبة 31%، وهي فترة ليست ببعيدة بالنسبة للمصنعين في الأردن، وبدأت بعدها الارقام بالتراجع.  
سأستخدم فقط أدناه الارقام القياسية (الرسمية) للكميات المنتجة في الصناعات التحويلية واسعارها للحديث عن وضع الصناعة، مع استثناء الصناعات الاستخراجية لوضعها الخاص حيث أن بعض كبار المشتغلين فيها يقوم باستيراد الغاز مباشرة، كما أنها صناعات تصديرية محضة، وصناعات تدفع رواتب تفوق أي حد أدنى للأجور مطروح حاليا. يبين الشكل أدناه الارقام القياسية للكميات والأسعار في الصناعات التحويلية للفترة 2008-2018.



المصدر: بيانات دائرة الاحصاءات العامة والبنك المركزي

وبالنظر إلى الرقم القياسي للكميات المنتجة من كافة الصناعات التحويلية والرقم القياسي لأسعار الصناعات التحويلية،  نلاحظ أن الكميات المنتجة كانت (159.39) في  2014 وانخفضت الى  (86.96)، أي أن كميات الانتاج هبطت بنسبة 83%، كما ان اسعار الصناعة التحويلية هبطت من  (206.08) في 2014  الى (118.9) في 2018 أي بنسبة 73%، مما يعني أن الصناعة ليست في وضع يسمح لها برفع تكاليف الإنتاج.

بعيدا عن العاطفة، وأعلم أن رأيي هنا قد يكون بين رأي الأقلية وأن ما أقوله قد يستهجنه البعض بل ويذمه، ولكن لا بد حين دراسة أو التباحث في رفع معدلات الأجور دراسة والتمعن في ما يلي:
·       الوضع الاقتصادي العام وبالنسبة للقطاعات المنتجة ومن بينها الصناعة والتجارة مع التمييز بين نوعية الانتاج والتكاليف والأعباء التي تواجهها هذه القطاعات، فليس من مصلحة أحد أن يخرج المنتجون من السوق فتزداد نسب البطالة عما هي عليه. فحين يكون الاقتصاد في ركود طويل كما هو الحال، نتوقع أن تتمحور القرارات حول تقليل كلف الإنتاج (كضرائب غير مباشرة وكلف الطاقة، والرسوم).
·       دراسة نسب التضخم مقاسة بالرقم القياسي لاسعار المستهلك، وهنا يجب الوقوف على نسب التضخم في المحافظات أيضا، كما يجب معرفة مصادر التضخم (الغذاء، السكن، وغيرها) لأن أي رفع للحد الأدنى سيؤثر في الفئة متدنية الدخل، لذا لا يكفي التعرف على الرقم القياسي لاسعار المستهلك بل وأيضا على الفئات السلعية والخدمية التي تؤثر أكثر على من سيستفيد من الحد الأدنى للأجور، فترتفع أو تنخفض نسبة الرفع للأجور حسب أوزان هذه السلع والخدمات.  
·       لا مانع من النظر في اجراءات أخرى تقلّل من تكاليف المعيشة على ذوي الدخل المتدني، كتحسين شبكات الأمان الاجتماعي، رفع مستويات الدعم لذوي الدخل المتدني، تخفيض الرسوم الخدمية، تقليل الجمارك أو ضريبة المبيعات أو كليهما على السلع الهامة لذوي الدخل المتدني.
  • معالجة المشاكل الاقتصادية ليست عملية تركيب قطع أحجية يُلصق بعضها ببعض، فالاقتصاد مترابط كما الجسد البشري تماما، والمشكلة الاقتصادية لا تعالج بالقطّاعي، بل يحسب في كل قرار ذو أهمية اقتصادية آثار القرار الجزئية والكلية وآثاره الدائمة... والقرار الصحيح، يكون كما الدواء الصحيح، يوصف في حينه، ويؤخذ في وصفته الآثار الجانبية، والآثار الجزئية والدائمة.

د. يوسف منصور







No comments:

Post a Comment