اعتمد الأردن منذ
بداياته على المساعدات (المنح والقروض الميسرة) لسد ثغرات التمويل في موازنة
الدولة. ولكن المساعدات، كما بينت تجارب الأردن والكثير من الدول الشبيهة، تتأرجح
بين مد وجزر، وتعتمد أهواء المانحين مؤسسات ودول. وهي ليست ثابتة أو مضمونة على
الإطلاق مما لا يمكن المتلقي (الأردن) من التفكير الاستراتيجي أو التخطيط
المستقبلي. أيضًا، ولعدة عقود خلت، عولت الحكومات المتتالية في موازناتها على المساعدات
الخارجية لتمويل النفقات الرأسمالية (الإنفاق على المشاريع والاستثمار في مستقبل
البلاد لتعزيز الإنتاجية). ولكن، من الواضح مؤخرا، أن بعض مصادر هذه المساعدات
آخذة في الجفاف. لذا، حري بنا أن نسأل، الى أين نحن ذاهبون؟
تلقى الأردن 48 مليار
دولار من المساعدات الخارجية (منح وقروض ميسرة) خلال الفترة 1960-2020، بحسب قاعدة
بيانات البنك الدولي. منحت الولايات
المتحدة للأردن 20 مليار دولار أمريكي منذ عام 1951، وقامت مؤخرًا بزيادة حزمة
المساعدات من 1.275 مليار دولار أمريكي سنويا إلى 1.45 مليار دولار أمريكي للسنوات
السبع المقبلة. كما تعد المملكة المتحدة وألمانيا واليابان من بين المتبرعين الرئيسيين
للمساعدات في الأردن. وقدمت المملكة العربية السعودية للأردن 1.175 مليار دولار
منذ عام 1978، ذهب 50 في المائة منها لدعم الموازنة.
تم توجيه الغالبية
العظمى (أكثر من 90٪) من المساعدات الخارجية لدعم الموازنة. علاوة على ذلك، كانت
70 في المائة من المساعدات على شكل منح خلال الفترة 2010-2014، والباقي عبارة عن
قروض ميسرة. حاليا تشكل المنح نصف المساعدات تقريبا، مما يعني أن خدمة الدين
(دفعات القروض والفوائد) تتزايد عاما بعد عام (وهو ما يحصل منذ سنين). ومن ثم، فإن
الاقتصاد (كما يتم قياسه من خلال الناتج المحلي الإجمالي) يحتاج إلى النمو بمعدل
أسرع من معدل نمو الفائدة على الدين.
بلغت خدمة الدين في
العام الماضي حوالي 2.22 مليار دولار أمريكي أو 20 في المائة من مجمل الإيرادات
المحلية (دخل الحكومة من الضرائب والرسوم). لاحظ أن بعض نفقات خدمة الدين تخرج من
البلاد لأن جزء من الدين هو دين خارجي. أي أن دفعات الدين يتم تسريبها من الاقتصاد
وبالتالي تقلل من حجم الاقتصاد وتضعف معدلات النمو الاقتصادي.
علاوة على ذلك، إذا
أضفنا الإنفاق في الميزانية على خدمة الدين، ورواتب الخدمة المدنية، ومعاشات
التقاعد، فسيخرجون بمبلغ أكبر من الإيرادات المحلية، مما يعني أنه يتعين على
الحكومة الاقتراض لتغطية بعض (وليس كل) نفقاتها الجارية. وهذا يعني أيضًا أنه
يتعين عليها تقديم هذه المبالغ كل شهر أو سنة للوفاء بالتزاماتها، كما لا تملك القدرة
على المناورة ماليا للتعامل مع الدورة الاقتصادية فتنفق الحكومة لتشغل الاقتصاد
حين يتراجع الطلب أو العرض. أيضا، نتيجة لذلك، يتم تخصيص موارد شحيحة جدا في الموازنة
لأي مشاريع جديدة قد تعزز الإنتاجية، وعندما يتم ذكر مثل هذه المشاريع في الموازنة،
فإنها تخضع للتمويل من المساعدات، كما يحدث الكثير أحيانا من المماطلة في صرف
النفقات الرأسمالية لنقلها الى بند النفقات الجارية.
وبالتالي، فإن
الإنتاجية في الأردن تتراجع منذ عقود ومعها دخل الفرد الحقيقي. لقد كان أعلى دخل
للفرد بالقيمة الحقيقية (أي مع استبعاد التضخم) في تاريخ الأردن هو 5055 دولارًا
أمريكيًا في عام 1982، وأصبح بعد تدهور شبه مستمر 3837 دولارًا أمريكيًا في عام
2021. وبعبارة أخرى، تراجعت الإنتاجية في الأردن على مدى الأربعين سنة الماضية؛
وانخفض متوسط دخل الأردني السنوي بمقدار 1218 دولارًا أمريكيًا. لا عجب أن 70
بالمائة من المستجيبين لاستطلاع رأي قالوا إنهم لا يثقون بالحكومة وأن الناس غير
سعداء بشكل عام.
مرة أخرى، إلى أين
نذهب الآن؟ الإجابة المختصرة هي أننا بحاجة إلى نوع الإنفاق الحكومي الذي يعزز
إنتاجية الأردنيين لزيادة إنتاجهم ودخلهم، وبالتالي دخل الحكومة. إذا كنت مهتمًا
برد طويل وخطوات تنمية الإنتاجية، راجع إحدى مقالاتي السابقة حول هذا الموضوع فلقد
أجبت على هذا مرات عديدة.
No comments:
Post a Comment