Sunday, June 5, 2022

تكلفة الإشاعات والتشاؤم والأكاذيب 5 6 2022


لا يمر أسبوع في الأردن دون إشاعة أو عرض مملوء بالسلبية ينتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي مانحة الصوت لمن لا صوت لهم والمنصات لأي شخص لديه إمكانية الربط على الإنترنت ومكنت بالإضافة الى نشر المعلومات الصحيحة نشر معلومات كاذبة وشائعات ونظريات مؤامرة وادعاءات لا أساس لها لتزدهر في بيئة محفوفة بعدم اليقين وتضارب المعلومات وغموضها.

تتيح منصات التواصل الاجتماعية، مثل فيسبوك وتويتر وواتساب وانستاجرام للمستخدمين بناء مجتمع إلكتروني وعزل البعض من خلال ما يسمى "فقاعات التصفية" (عزلة فكرية تنتج عندما تُخمّن خوارزمية الموقع الالكتروني المعلومات التي يرغب المستخدم في رؤيتها استنادًا إلى معلومات حول المستخدم ذاته مثل الموقع وسلوك النقر السابق وسجل أو تاريخ البحث الذي يقوم به).

من المعروف في أدبيات التواصل أن عدم اليقين يقلل من التوقعات الجماهيرية الإيجابية ويُعزز من التشاؤم في المجتمع. ومن المعروف أيضا أن فقدان التفاؤل واعتناق التشاؤم لا يخلوا من الثمن، لأن التفاؤل وعكسه، التشاؤم، قوتان تحركا العرض والطلب أسرع من أي محرك آخر لأن الاخبار والتصريحات السالبة تنتشر أكثر من تلك الإيجابية، فالكاذبة منها تصل إلى ما بين 10,000 و 100,000 حساب فردي أو شخص، بينما من النادر أن يصل الخبر الحقيقي إلى أكثر من 1000.

ولا يمكن أن يكون تأثير الأخبار الكاذبة والإشاعات المتشائمة على المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلا سالبا. فهي لا تقوض رفاهية الأمة فحسب، بل تعرقل أيضًا أي محاولة للإصلاح مع تآكل الثقة بين الحكومة والشعب.

كما تشير الدراسات إلى أن الشائعات السلبية غالبًا ما تؤدي إلى عواقب غير مرغوب فيها في ظل تواجد وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، انتشرت شائعة على تطبيق واتساب في بلدة صغيرة في المكسيك في آب 2018 تزعم أن مختطفي الأطفال كانوا يجمعون أعضاء بشرية، مما أدى إلى قيام حشد من أكثر من مائة شخص بحرق رجلين بريئين أحياء في بلدة مكسيكية صغيرة.

وتُظهر مجموعة متزايدة من الأبحاث أن البشر يميلون إلى إعطاء الأولوية في التداول والاهتمام للأخبار السالبة على الأخبار الإيجابية. وفقًا لستيوارت سوروكا، أستاذ الاتصالات بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، قد يكون البشر مهيئين من الناحية العصبية أو الفسيولوجية للتركيز على المعلومات السالبة لأن التكاليف النفسية المحتملة للمعلومات السلبية تفوق بكثير الفوائد المحتملة للمعلومات الإيجابية، وهو رأي تم توكيده أيضًا في مجال الاقتصاد السلوكي.

هناك أدلة كثيرة على تحيز/تفضيل الناس للأخبار السلبية على الأخبار الإيجابية في الأردن. كل ما على المرء أن يفعله هو نشر شائعات نتجت عن سوء فهم، أو قلة الخبرة، أو عدم توفر المعرفة، أو شعور بالندية ضد الحكومة ليبدأ الجميع تقريبًا بالاقتباس والنشر والتوزيع وربما التهويل.

الاقتصاد، مع تعدد وتشعب قضاياه، وقلة الملمين بتحليلاته المعسورة، وكونه نظامًا معقدًا وديناميكيًا للغاية يتأثر باستمرار وبشكل مستمر بالمدخلات والمداخلات، ولأنه مجال كثير التأثر بالشائعات والمعلومات الخاطئة، حيث تؤدي التنبؤات الخاطئة والشائعات الى تحقق هذه التنبؤات، فإن ذكر عدد كافٍ من الأشخاص أن الاقتصاد سينهار، فإنه لا بد سينهار، كما يمكن أن تصبح الأسواق المالية ذات المضاربات عالية الوتيرة مملوءة بالشائعات والمعلومات المغلوطة مما يؤدي إلى قرارات مكلفة قد تدمر كفاءة ونجاعة السوق، وهو ما ينطبق أيضا على المنظمات والمؤسسات.

من المثير للدهشة أنه عندما يبدأ أحدهم بإشاعة حول الاقتصاد (وما أكثرها)، فإن قلة قليلة في الأردن تحاول معارضة مزاعمه. والمؤلم أن  القطاع العام عادة ما يتخذ موقفا صامتا تجاه هذه المعلومات المغلوطة، وهو أمر ليس بمفاجئ، فقد لا يدرك حقا صانعوا القرار قوة وأهمية الشبكات الاجتماعية، أو لا يعرفون كيفية معالجة الخطأ ومجابهة المعلومة بالأدلة والبيانات، أو أنهم من مدرسة ما قبل شبكات التواصل الاجتماعي ممن لا يفهمون ما حصل للعالم من تطور مع الثورة الرابعة (انترنت الأشياء) ويعتبرون هذه الشبكات ظاهرة مارقة وغير مهمة، أو أنهم من ذوي عقلية الصومعة (من أصحاب مقولة: "هذا ليس من شأني، دع شخص آخر يرد عليهم").

بغض النظر عن السبب والمسببات، فإننا وسط حقبة جديدة من التشابك بين المعرفة وعدمها، وزمان تتسارع وتتضاعف فيه قوة انعدام أو ضبابية المعلومة لتصبح وقودا للسلبية مما يتطلب المعالجة بفكر حديث وعمل سريع وذكي. دعونا لا ننتظر طويلا!

1 comment:

  1. مقال جدير بالقراءة … شكرا معاليك

    ReplyDelete