Tuesday, June 14, 2022

مأزق النقل العام 14 6 2022


ليس سرا أن استيراد السيارات في الأردن عبء على المواطنين وعلى ميزان المدفوعات. لذلك قد يعتقد المرء أن تحسين نظام النقل العام يجب أن يكون من أولويات الحكومة. فلماذا لا تقوم الحكومة بتحسين وتطوير نظام النقل العام؟ الإجابة ليست مباشرة كما يتوقع المرء.

 دعا تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "تشخيص وتوصيات النقل العام الأردني"، والذي صدر في 6 حزيران 2022، إلى إيجاد نظام نقل عام فعّال من حيث التكلفة وموثوق في المملكة. تشير التقديرات إلى أن نظام النقل الحالي يُكلّف البلاد حوالي 3 مليارات دولار من الخسائر سنويًا بالإضافة الى خسارة الإنتاجية (حوالي 65 مليون دولار في السنة) نتيجة لانخفاض مشاركة المرأة في الاقتصاد والخسارة المتحققة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (500-1000 مليون دولار في السنة).

 قبل الإجابة على التساؤل(لماذا لا تحدثه الحكومة)، دعونا نتذكر أنه في عام 1911 كان لدى الأردن شبكة سكك حديدية للركاب والبضائع وكانت قطاراتها تعمل بالنفط الأردني (الزيت الصخري). الآن، بعد 111 عام، لا يزال الأردن يفتقر إلى شبكة سكك حديدية وطنية تربط مدنه وسكانه. علاوة على ذلك، فإن مشاريع السكك الحديدية المقترحة مؤخرًا هي إما صغيرة جدًا من حيث الحجم بالنسبة لشبكة الماضي أو محدودة النطاق من حيث الغاية.

 من الأسباب التي يتم الاستشهاد بها في كثير من الأحيان لعدم وجود محاولة جادة لمعالجة نظام النقل العام في الأردن هو أن الموازنة العامة تعاني من عدم المرونة المالية، مما يعني أنه لا يوجد مكان فيها لنفقات رأسمالية على المشاريع الكبرى مثل نظام النقل العام، بما في ذلك شبكة السكك الحديدية الوطنية.

 ولكن يمكن معالجة مسألة التمويل من خلال مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص كما كان الحال حين تم انشاء مطار الملكة علياء الدولي الجديد قبل بضع سنوات، وبالنسبة للمشاريع المقترحة داخل صندوق الاستثمار السعودي الأردني والذي أعيد تنشيطه مؤخرًا. أيضًا، مُسلّحة بتقرير البنك الدولي هذا وعدد كبير من الأعمال والبحوث الأخرى، يمكن للحكومة الاتصال بالمانحين للمساعدة من خلال المنح أو القروض الميسرة في تمويل هذا المسعى، لكن هذا لم يحدث بعد.

 

فلنفكر بالأمر اذا بطريقة أخرى: هل من الممكن أن يكون السبب هو أن الحكومة غير قادرة على تحمل خسارة جزء كبير من إيراداتها من استيراد حافلات النقل الخاصة؟ أي أن استيراد الناس للسيارات اوجد مورد دخل للحكومة لا يستهان به، ولا يسهل الاستغناء عنه. وفي حال أن الحكومة أوجدت نظام نقل عام كفؤ وملائم سيقل حجم استيراد السيارات وبالتالي الرسوم والضرائب الناجمة عنه. لنراجع الأرقام: الحكومة تحقق 1145 مليون دينار سنويًا كضرائب على الواردات، والتي تكون السيارات جزأ لا يستهان به منها. كما أنها تحصل على 355 مليون دينار سنويًا من الجمارك والغرامات التي يأتي جزء كبير منها من استيراد المركبات. أيضًا، هنالك عدة تدفقات دخل سنوية ناجمة عن دخول المركبات إلى البلاد، مثل 110 مليون دينار من تراخيص المركبات، و 61 مليون دينار من تسجيل المركبات، و 20 مليون دينار من إصدار وتجديد إصدار رخص القيادة. من شأن نظام نقل عام كفؤ وملائم يغني عن اقتناء مركبة خاصة أن يقلل بشكل كبير من تدفقات الدخل هذه؛ وبالتالي سيزداد العجز في الموازنة التي تعاني من عجز متزايد. بمعنى آخر، هناك حالة تضارب واضح في المصالح بين ما هو مفيد للبلد وما هو مفيد للحكومة. أي أن حل معضلة من شأنه أن يخلق معضلة أخرى قد تكون أكثر الحاحا (على الأقل بالنسبة للحكومة).

ومع ذلك، سيكون هذا نوع خاطئ من التفكير وقصير النظر ويفتقر بشدة إلى الرؤية والحكمة لأن التحسينات في الاقتصاد من شأنها أن تعوض الحكومة من خلال تعزيز الإنتاجية والنشاط الاقتصادي على المدى المتوسط ​​والطويل عن النقص الفوري في الإيرادات.

إن التحسن في الاقتصاد الكلي وميزان المدفوعات سيعود بفوائد أكثر بكثير من تكلفة إصلاح وتحديث نظام النقل، ولهذا السبب تتنافس البلدان في جميع أنحاء العالم على تحسين أنظمتها باستمرار. ودعونا نتذكر ان التقرير يقول بخاسرتنا لأكثر من 3 مليار دولار سنويا.

كل ما هو مطلوب هو بعض من الإيمان وكثير من الفعل.

No comments:

Post a Comment