Tuesday, August 31, 2021

تحديات تواجهها النظم العربية

 

 تتيح الحرية الاقتصادية الفرص للجميع من خلال تذليل العقبات التي تقف في سبيل نجاح الفرد والمؤسسات. فالحرية الاقتصادية هي قدرة الافراد والاسر على اتخاذ قراراتهم الاقتصادية الخاصة والاستفادة من الفرص وريادة الاعمال بمنأى عن الحواجز التي تفرضها حكومات تفرط في استخدام القوة أو النخب الجشعة التي تتصرف من منطلق حماية هيمنتها الخاصة.

كثيراً ما تُحرم فئات في العالم العربي من إيجاد فرص عمل مجدية أو إنشاء مشاريع تجارية جديدة ومبتكرة بسبب البيروقراطية المرهقة والروتين الحكومي واللوائح التعسفية والقواعد المعقدة والفساد وغياب مبدأ سيادة القانون وبالتساوي على الجميع.

وأود أن أعود بنا هنا الى مسؤولية المؤسسات في الدول في تمكين الحريات الخمس التي أكد عليها الاقتصادي أمارتيا سين، الحائز على جائزة النوبل في الاقتصاد عام 1998، في كتابه Development as Freedom (التنمية كحرية) وهي: الحرية السياسية، الحرية الإقتصادية، والحرية الإجتماعية، والشفافية، والأمن والأمان.

فهذه المبادئ الهامة للتنمية تتردد كثيراً، وأحياناً دون اعطاء الاهمية اللازمة لترابطها مع بعضها البعض، فالحرية الاقتصادية مثلا لا بد وان تكون نتاج وجود هذه الحريات وتفاعلها معاً، لايجاد مجتمعات احتوائيةٍ بعيدة عن الاقصائية والريعية وتحكّم أصحاب المصالح الخاصة.

فالحرية الإقتصادية لدى أمارتيا سين تكمن في تواجد المرء في مجتمع يمنحه الفرصة للاستفادة من الممكنات التي يقدمها المجتمع من تدريب وخدمات صحية كفوءةٍ، وإتاحة الفرصة له لكي يوظف هذا التدريب دون تمييز اجتماعي لعرقه أو جنسه أو دينه أو مسقط رأسه، ودون تمييز سياسي مجتمعي يكبح من قدراته الإبداعية والإبتكارية، ودون غموض وفساد في المؤسسات والتشريعات والإجراءات، ودون تمييز في حق المواطن في التمثيل. كل هذه مجتمعةً تساعد في خلق حريةٍ اقتصاديةٍ حقيقيةٍ وتمكن الانسان من ان يعيش حياةً كريمةً خاليةً من الإضطهاد بشتى أنواعه.

وقبل التطرق الى الحرية الاقتصادية في الاردن دعونا نتناول شروخا تهدد البيئة الإقتصادية والسياسية في المنطقة:

أولاً: من الواضح هناك أزمة ثقة بين الحكومات والشعوب، وهي أزمة خطيرة تهدد ليس فقط النظم القائمة وبقاء الحال على ما هو عليه، بل تهدد أيضا أي جهود إصلاحيةـ  فحتى أفضل المبادرات أو القرارات الهادفة إلى إصلاح الوضع الاقتصادي أصبحت تُواجه من قبل الشعوب بالسلبية والسخرية والرفض، مما يعرقل افضل النوايا والتوجهات واكثرها مصداقية.

ثانياً: حيرة الحكومات بين سياسة الإبقاء على الوضع كما كان، وبين التغيير اللازم للتحديث والتغير نحو نموذج المجتمع التنموي والاقتصاد الانتاجي.

ثالثاً: تفكّك النظام الاقليمي الذي ساد في القرن الماضي نتيجة الارهاب، والاحتلال، والحروب الأهلية والعولمة، وانترنت الأشياء أو الثورة المعلوماتية.

رابعاً: استمرار القصور في الحريات بل وغيابها سياسياً وتعليمياً وضعف جهود تمكين المرأة.

خامساً: الإحباط لدى الشباب، والذي يشكل غالبية العرب، ويعاني من نسب بطالة تصل في المتوسط الى 30% كما ذكر التقرير.

سادساً: الترحيل أو التهجير البشري فمن أصل 360 مليون عربي تقريبا، يعيش 143 مليون عربي تحت وطأة الحرب أو الإحتلال، كما أن 17 مليون عربي أصبحوا مهجرين، ناهيك عن نسب الهجرة الطوعية والني تعتبر بين الأكثر في العالم.

سابعاً: تراجع الحريات بشكل عام مؤخراً بعد فترة انفراج بسيطة لم تدم طويلاً مع بداية الربيع العربي، عادت بعدها بعض النظم الى مستويات قمع للحريات قد تفوق في شدتها واتساعها فترة ما قبل الربيع العربي.

ثامناً: الإعتقاد بتغلغل الفساد، وهو أعتقاد، سواء كان حقيقياً او مزعوماً، فإنه أصبح يهيمن على الخطاب بين الحاكم والمحكوم في الكثير من الدول.

نعم كل هذه شروخات تواجه العقود الاجتماعية في المنطقة العربية بنسب مختلفة بين بلد وآخر.

وإذا قسمنا الدول العربية الى دول مصدرة للنفط وأخرى مستوردة له، نجد أن "عقد النفط الاجتماعي" والذي نظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدول الريعية وشبه الريعية كالاردن مثلاً، اصبح عرضة لتقلبات الريع مع تذبذب أسعار النفط سواء في الدول المصدرة أم المستوردة، حيث درجت العادة في الدول المستوردة للنفط كالاردن ان تعتمد أيضاً على جزء من الريع النفطي من خلال المساعدات أو التشغيل لقواها العاملة ورأسمالها البشري والاسثمارات والتي تراجعت في مجموعها مؤخرا.

لذا لابد لنا جميعا من مراجعة عقد النفط الإجتماعي الريعي القائم على تقاسم الريع، والتوجه نحو اقتصاد إنتاجي تكون فيه الحرية الإقتصادية محور التنمية.

 

No comments:

Post a Comment