Wednesday, June 30, 2021

تشوهات في التمويل 29 6 2021

 

يُظهر تمحيص سريع في النسب المئوية للقروض التي تقدمها البنوك الخاصة للصناعة بشكل عام في الأردن من كافة القروض الممنوحة أنها بلغت في المتوسط 12.6٪ خلال 2019-2020، وهي نسبة منخفضة جدا بالمقارنة مع قروض البناء (25.7٪) والأفراد (21.7٪). بمعنى آخر، تتلقى الصناعة حوالي نصف مقدار الائتمان الذي تحصل عليه هاتان المجموعتان من البنوك الخاصة.

وبينما لا ينكر أحد الدور الهام الذي تقوم به البنوك في دعم المسيرة التنموية لأي بلد، يبدو أن البنوك الخاصة في الأردن تنحاز نحو إقراض قطاع الإنشاءات والأنشطة غير المنتجة مثل القروض الفردية، والتي عادة ما تكون موجهة نحو الاستهلاك، بدلا من إقراض وتمويل الصناعة والابتكار، وهي أنشطة تدعم تنمية الاقتصاد الوطني بل هي الأساس.

لتصحيح هذا الوضع، هناك دور هام للجهات التنظيمية والدولة بكافة أجهزتها في تعزيز مسيرة الأردن التنموية لسبر غور هذا الفراغ الجلل. ولكن قبل الحديث عن هذا الدور، لماذا الصناعة مهمة بل لماذا تعتبر الأهم؟ يُظهر التاريخ أن الدول التي تعمل على تحسين قطاعاتها الصناعية تنمو بشكل أسرع من غيرها، حيث يُمكّن النمو الصناعي من خلق المزيد من الوظائف، وزيادة الدخل، وإدخال التطورات والابتكارات التي تزيد من الإنتاجية والقدرة التنافسية للبلد. كما تحقق الدول التي تتدخل لتحريك الصناعات نحو إنتاج ذي قيمة مضافة عالية إلى تحقيق مكاسب أكبر من تلك التي لا تُعنى استراتيجيا بدعم وتمويل أنشطة التطوير في صناعاتها.

صحيح أن الشركات الخاصة في الاقتصادات المتقدمة تقوم بالجزء الأكبر من البحث والتطوير (R & D). ومع ذلك، فمن الصحيح أيضًا أنها تتلقى دعمًا كبيرًا من القطاع العام. ففي سنغافورة، يأتي 60٪ من الإنفاق على البحث والتطوير من القطاع الخاص، و تبلغ النسبة 78٪ في كوريا الجنوبية (الاقتصاد الأكثر ابتكارًا في العالم)، ويأتي ، 72٪ من الاستثمار في البحث والتطوير في الولايات المتحدة من القطاع الخاص والباقي من الحكومة. علاوة على ذلك، يوفر القطاع العام في هذه الدول البنية المؤسسية الداعمة للبحث والتطوير. كما تمول الحكومات مختبرات العلوم والبحوث الأساسية، ويتم دعم البحوث في الجامعات من خلال المال العام، بينما تضمن حقوق الاحتكار ولبراءات الاختراع لتمكين مكافأة صانعي الابتكارات.

لماذا تفضل البنوك في الأردن تقديم الائتمان لأنشطة البناء وأنشطة الاستهلاك لدى الأفراد بدلاً من الصناعة؟ الجواب متعدد الأوجه. إن قرار منح قرض لشخص ما لبناء منزل أو مجمّع يرتكز على ممارسة بسيطة وغير معقدة، إذ يرسل البنك مُقيّما معتمدا لديه ليقدم تقديرًا حول قيمة العقار، ويقرض المدين نسبة من هذه القيمة شريطة تملك البنك للعقار لحين سداد القرض بالكامل. بالنسبة لمنح الائتمان للأفراد، فإن كان الشخص يعمل لدى الحكومة أو شركة كبيرة، يتم تحويل راتب الشخص من صاحب العمل إلى البنك ويتم خصم جزء منه شهريا لحين سداد القرض. عملية الإقراض لإنشاء عقار أو للاستهلاك الفردي أقل تعقيدًا من حيث التفاوض على القرض من المقترض الصناعي، ومن المرجح أن يقبل سعر فائدة أعلى من تلك التي يقبلها المقترض الصناعي، كما أن القروض للصناعة تخضع لمخاطر أكبر من تلك التي تنجم عن الإقراض للبناء أو الاستهلاك.

ولكن الصناعة هي أساس الاقتصاد الحقيقي أو الإنتاج الحقيقي الذي يعتبر ركيزة التنمية الأهم. نعم، تميل البنوك إلى اعتبار القروض المقدمة إلى الصناعة أكثر خطورة من أنواع القروض الأخرى بسبب مجموعة من المخاطر، كما ان المشروع الصناعي أكثر تعقيدًا من الأنشطة الأخرى، وقد يتطلب خبرات فنية متخصصة لتقييمه، وتتطلب المشاريع الصناعية عدة سنوات لتبدأ بتحقيق نقطة التعادل أو الربحية.

يعتبر تفضيل البناء على الصناعة في التمويل ظاهرة عالمية، وهذا هو السبب في أن المنظمين يضعون سياسات لتشجيع البنوك الخاصة على إقراض الصناعة كما تمكن الدول الصناعيين من الاستفادة من بنوك الاستثمار الحكومية لمساعدة الصناعة على إدخال التقنيات وما تحققه من الفرص الاقتصادية الجديدة. تشمل سياسات وتدابير الدولة الائتمان المعاكس للدورة الاقتصادية، والأموال للحاق بالركب، والتمويل طويل الأجل، والتمويل القائم على الابتكار، وما إلى ذلك، في جميع أنحاء العالم. البنوك الأربعة الأكثر نشاطًا في هذا المجال هي بنك التنمية الصيني، و KfW الألماني، وبنك الاستثمار الأوروبي (EIB) و BNDES البرازيلية.

للأسف، تواجه الصناعة في الأردن تحديًا مزدوجًا يتمثل في الافتقار إلى دعم/ رعاية الدولة وغياب الأنظمة التي تدفع البنوك الخاصة نحو تمويل المشاريع الصناعية. كان هنالك بنك واحد ترعاه الدولة ليقدم القروض للصناعة بشكل تفضيلي، وهو بنك التنمية الصناعية الأردني (JIDB) الذي تأسس عام 1965 بمساعدة البنك الدولي، ولكن تم بيعه وتغيير صفته في عام 2010.

يجب أن تركز الحكومة في سعيها لإصلاح الاقتصاد وجعله أقل اعتمادًا على المساعدات وتعزيز قدراته التنافسية على إدخال السياسات والإجراءات والتدابير التي تهدف إلى زيادة إنتاج القيمة المضافة وزيادة الإنتاجية من خلال الابتكار وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير. دعونا لا ننتظر طويلا!

No comments:

Post a Comment