Monday, June 14, 2021

استقرار الأردن والإنتاجية والريعية 14 6 2021

هنالك علاقة وثيقة بين استقرار الأردن والإنتاجية والريعية. وما حدث في الشهور القليلة الماضية يبين هذه العلاقة بوضوح، مما يوجب التنبيه والنصح.   

تقوم الدولة الحديثة على الإنتاجية؛ أي، يتحد الناس معًا لتشكيل دولة لأنهم يعتقدون أنهم سيكونون أفضل حالًا كمجموعة أكبر من الأشخاص والمؤسسات بدلا من مجاميع صغيرة. وعادة ما يؤدي الفشل في تعزيز الإنتاجية وبالتالي الرفاهية إلى ظهور دعوات لعكس الوضع الراهن. ومع ذلك، تتطلب الإنتاجية وجود قطاع خاص مزدهر في اقتصاد السوق وحكومة مشاركة في صناعة وتشكيل هذا السوق من خلال تحفيز الابتكار والابداع والتطور العلمي بالإضافة الى توفير البنى التحتية المتقدمة لتمكين نمو معدلات الإنتاج والإنتاجية.

تتطلب الإنتاجية اقتصاد غير اقصائي يحتوي الجميع كل حسب قدراته،  مبني على الجدارة حيث تتناسب التعويضات مع الجهد المبذول وجدارة المشاركين في النشاط الاقتصادي بغض النظر عن أصل الشخص أو الولاءات المتصورة أو القرابة للحاكم أو القرب منه أو العرق أو التراث أو الجنس أو الدين أو غير ذلك من العوامل غير المتعلقة بالإنتاج والإنتاجية. ولأن الاقتصاد ومؤسساته يكافئا الإنتاجية تنمو الدولة الحديثة وتزدهر وتستب أمورها؛ وكذلك حال مواطنيها. وتضمن الدولة الحكيمة والتطلعية توفير وسائل التدريب وتنمية المهارات اللازمة للإنتاج والإنتاجية والفرص لتوظيف هذه المهارات بشكل مثمر.

من ناحية أخرى، قد تدعي بعض الدول الحداثة دون أن تكون هذه الحداثة قائمة على الإنتاجية بل تعتمد بدلاً من ذلك على الريعية، حيث تستمد الدولة الريعية كل أو جزء كبير من إيراداتها من أفراد أو مصادر أو حكومات أجنبية نتيجة بيعها لمورد طبيعي مثل النفط - مثال على ذلك الدول العربية الغنية بالنفط (المعروفة أيضًا في الأدبيات باسم دول فائض رأس المال)، وبالتالي يمكنها هذا الريع من أن تقوم بدفع رواتب (ريع) لمواطنيها مقابل الولاء والحفاظ على الوضع الراهن دون زيادة إنتاجية مواطنيها أو البلد. تعتقد أو على الأقل تتصرف هذه الدول كما لو أنها لا تملك سببًا مقنعًا للتركيز على الإنتاجية، وتستمر في البقاء على قيد الحياة بالمال (الريع) الذي تجنيه من بيع المورد الطبيعي ودفع جزء منه لمواطنيها.

ويطلق على الدول الأخرى، مثل تلك التي لا تمتلك قاعدة موارد طبيعية كافية لتحقيق إيرادات منها والتي لم تتمكن من تعزيز الإنتاجية، لقب دول "شبه ريعية". ويكون ريع الدولة عادة ناجم عن استخدام هذه الدول لموقعها السياسي أو الجغرافي لتلقي المساعدة (الريع) من البلدان الأخرى وتوزيع شكل من أشكال الريع (مدفوعات غير القائمة على الجدارة والمكانات بل على أسس ليس لها علاقة بالإنتاج والإنتاجية) على مواطنيهم. ويكون حجم الريع في هذه الحال مقيد بمقدار المساعدات التي تتلقاها الدولة، وحين تشح المساعدات تقوم هذه الدول بالاقتراض لكي تستمر بتوفير الريع. بما أن الإنتاجية هي آخر ما تقوم به هذه الدول التي تستنفذ مواردها في توزيع الريع، ولا تعتمد نهج الإنتاجية يكون استقرارها مربوط باستمرار الريع.  وفي حال انخفاض المساعدات من الخارج، فإن استقرار هذه البلدان يصبح مهددا، والأردن ليس بحالة خاصة أو مستثناة، فتلجأ إلى القروض لتمويل الطلب على الريع - حاليا ، يذهب أكثر من 15 في المائة من الإيرادات المحلية الحكومية في الأردن لخدمة الدين العام والذي يذهب في غالبيته لسداد الرواتب ومعاشات التقاعد لموظفي الحكومة.

إن الأحداث السلبية التي حدثت في الأشهر الثلاثة الماضية باعتقادي مرتبطة بوقف المساعدات من بعض البلدان "الصديقة" في السنوات الأخيرة. وعند النظر إلى منظومة هذه الأحداث بمجموعها فلا بد وأن يكون الهدف النهائي منها زعزعة استقرار الأردن أو فرض صفقة القرن عليه. ومع ذلك، فقد تجاهل من صمم مثل هذا المخطط أن استقرار الأردن لا يعتمد فقط على العوامل الاقتصادية والرعية ولكن أيضًا على الرغبة الشعبية في الحفاظ على الوحدة في ظل القيادة الحالية. وبالتالي، بغض النظر عن المعاناة التي حدثت (والتي تفاقمت مع ظهور COVID-19) ، فالحفاظ على الأردن كالدولة الأكثر استقرارًا في العالم العربي هو الطموح الجماعي للغالبية العظمى من الأردنيين سواء كان ذلك بسبب الأنثروبولوجيا أو التاريخ أو المؤسسات  أو ببساطة بسبب المشاهدات في المنطقة وما نجم عن عدم الاستقرار في دول الجوار.

الحكمة الجماعية للشعب الأردني ليست عصاة سحرية يعتمد عليها الى الأبد، أو دعوة إلى اللامبالاة والاستهتار بمسببات المؤامرات وأهدافها وما نجم عنها من قلاقل رغم فشلها. يجب على الأردن أن يتخلى عن وضعه شبه الريعي من خلال التحرك بحذر وثبات وعقلانية نحو الدولة الحديثة القائمة على الإنتاجية مع ضمان توفير بعض الرخاء في بداية أي عملية إصلاح لكي تكون أكثر تقبلا من قبل الشارع الأردني. الدرب أمامنا شاق، ولكنه ممكن وصحيح. دعونا لا ننتظر طويلا!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1 comment:

  1. سلام. تداخل ما هو سياساتي احترافي بما هو سياسي نظري سبب معظم الازمات. د. منيف الزعبي/ عمان

    ReplyDelete