Monday, March 1, 2021

حول رفع الحد الأدنى للأجور 01 03 2021

 

تم رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن مؤخراً من 220 ديناراً إلى 260 ديناراً. وكما هو متوقع، واجه القرار بعض الاستياء من أصحاب الأعمال، وخاصة الشركات الصغيرة.

تاريخياً، بدأت تشريعات الحد الأدنى للأجور عالميا من قبل الملك جيمس الأول في بريطانيا في 1604 وكان محدودا جدا ولقطاعات محددة، ثم تم تشريع الحد الأدنى للأجور مع نهاية القرن التاسع عشر، فكانت نيوزيلندا، في عام 1894، أول دولة في العالم تطبق حدًا أدنى للأجور. وتم تشريعه من قبل ولاية فيكتوريا في أستراليا في عام 1986، وتبعتها المملكة المتحدة في عام 1909. أما في الولايات المتحدة، والتي أدخلته متأخرة نسبيا في عام 1938 بعد ضغط قوي من المجموعات النسائية، استغرقت المحاكم في الولايات المتحدة ثلاث سنوات للموافقة عليه في عام 1941. وحاليا تتواجد تشريعات تتعلق بالحد الأدنى للأجور في أكثر من 90 في المائة من دول العالم.

في الأردن، أتى الحد الأدنى للأجور متأخرًا، ولكن بمجرد صدوره، نما حجمه بتسارع ملحوظ. وكان أول قرار لتطبيق الحد الأدنى للأجور عند 80 دينار أردني في عام 2000، ثم أخذ يزداد بتسارع، ست مرات في عقدين من الزمن (85 دينار في 2002، 95 دينار في 2005، 110 دينار في 2006، 190 دينار في 212، 220 دينار في 2017، والأسبوع الماضي 260 دينار).

من المثير للاهتمام أنه باستثناء عامي 2005 و2006، تم رفع الحد الأدنى للأجور في أوقات تباطؤ النمو الاقتصادي. في الآونة الأخيرة، ارتفع الحد الأدنى بينما كان التضخم منخفضاً والبطالة آخذة في الارتفاع، والنمو في حالة ركود. القاعدة على الصعيد العالمي هي أن يقوم المشرّع برفع الحد الأدنى للأجور في وقت النمو المرتفع أو التضخم المتسارع أو المفرط أو كليهما.

معارضو الحد الأدنى للأجور (المحافظون) يجادلون بأن الحد الأدنى للأجور يهدد الشركات الصغيرة، ويؤدي إلى تقليص الإنتاج والشركات؛ وبالتالي تسريح العمال. علاوة على ذلك، يؤكدون أنه يلحق المزيد من الضرر بأولئك الذين من المفترض أن يحميهم من المجموعات الهشة، كالعمال من ذوي المهارات المتدنية، والشباب، والنساء باعتبار ان أرباب العمل سوف يسرحونهم من العمل. في بلد مثل الأردن حيث يشكل العاملون بشكل غير رسمي (أولئك الذين ليس لديهم عقود عمل رسمية) أكثر من 40٪ من الإنتاج، قد يزداد حجم الاقتصاد غير المنظم بسهولة مما سيكون له الأثر على التحصيل الضريبي أيضا حين يتجه أصحاب العمل نحو التوظيف دون عقود عمل لتجنب دفع أجور أعلى وتقليل تكاليف الإنتاج.

من ناحية أخرى، يجادل مؤيدو الحد الأدنى للأجور (الليبراليون) بأن العمال الذين يبقون في العمل ويستفيدون من الحد الأعلى للأجور، ينفقون أكثر وبالتالي يزيدون من الطلب الكلي، مما سيحسن من مستوى العرض من خلال معدلات إنتاج أعلى لتلبية الطلب، وبالتالي خلق المزيد من فرص العمل في الاقتصاد، فيعود من تم التخلي عنهم لاحقا للعمل بأجر أعلى.

لم تساعد الدراسات القياسية في أنحاء العالم في مثل هذا النقاش. حيث قدّم كل من الاقتصاديين المحافظين والليبراليين أدلة لدعم حججهم، ومع ذلك، لم يفز أي جانب لأن نتائج الدراسات لم تكن حاسمة لصالح جانب على الآخر.

ماذا عن الوضع في الأردن؟ في حين أن رفع الحد الأدنى للأجور موضع نقاش كبير في البلدان المتقدمة بين جميع الجهات المعنية، تخضع عملية رفع الحد الأدنى للقليل من النقاش بين القطاعين العام والخاص، وعادة ما يكون محصورا بجماعات محددة. علاوة على ذلك، يتم استخدام الحد الأدنى للأجور في العالم لمواجهة الضغوط التضخمية على ثبات الأجور المنخفضة بينما في الأردن، يبدو أن الزيادات في الحد الأدنى للأجور تأتي مستقلة عن معدلات التضخم. ومن ثم، يمكن للمرء أن يقول أن الحد الأدنى للأجور في الأردن لا يتعدى كونه أداة للحكومة لتحسين وضع العمال ذوي الأجور المنخفضة على حساب الشركات، ومنها الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل 99.6٪ من الشركات في الأردن.

يزعُم النقّاد في الأردن أن الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور في مثل هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة تنقل عبء تحسين الرفاه (وهي نتيجة قابلة للجدل وغير مؤكدة كما بينا أعلاه) من القطاع العام إلى القطاع الخاص، رغم ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج كالطاقة، والضرائب، والنقل، ورسوم المعاملات، والأراضي، والمياه، وما إلى ذلك قبل حلول فيروس كورونا الذي أدى الى تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى حد كبير ورفع معدلات البطالة والفقر وأدى الى إفلاس الكثير من الشركات وتوقف أخرى عن العمل وخاصة في قطاعات التعليم والسياحة والنقل وغيرها. لذا، قد تعتبر الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وحتى الشركات الأكبر حجمًا زيادة الحد الأدنى للأجور قرارًا سيئ التوقيت حتى وإن كان جيدا.

لا يجب أن تكون عملية تحسين أجور العمالة لعبة محصلتها صفر فيأتي مكاسب المرء على حساب الآخر. ما هو الحل؟ تتطلب السياسة المُثلى استخدام مجموعة من الأدوات وليس أداة واحدة لتقليل الأثر السلبي على الفئات الضعيفة (بما في ذلك المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة). على وجه التحديد، يمكن للحكومة أن تقدم للشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة مجموعة من الإجراءات  التي تساعدها في تحمل زيادة تكاليف الإنتاج بسبب الزيادة في فاتورة الأجور مثل الإعفاءات الضريبية أو تخفيضها وخفض تكلفة الاقتراض وتقديم قروض بدون فوائد وتقديم الدعم وخفض أسعار الطاقة ومجموعة من التدابير الأخرى كالتدريب بهدف التشغيل.

من الواضح أن مجموعة الإجراءات هذه تتطلب الحوار والتنسيق بين المؤسسات الحكومية المعنية (وزارة الصناعة والتجارة والتموين، وزارة المالية، وزارة العمل، وزارة الطاقة، البنك المركزي، وزارة التنمية الاجتماعية، من بين جهات أخرى). علاوة على ذلك، يجب استشارة واشراك المجتمع المدني في الحوار والقرار والتنفيذ لأنهم أكثر معرفة بمن سيتأثر أكثر، وأين سيتواجد، والى مدى سيتأثر، وكيف سيتم إيصال المعونة اليه، وغيره من التفاصيل التي تستطيع مؤسسات المجتمع المدني الوصول اليه بكفاءة أكبر من تلك التي تتوفر للقطاع العام. كما يُظهر الحد الأدنى للأجور أن إدارة الاقتصاد عملية معقدة تتطلب مدخلات وتدخلات وتداخلات وتشاورات مع الجميع. لذلك، يجب التنسيق والتأني في اتخاذ القرارات ذات الآثار الاقتصادية.

 

 

No comments:

Post a Comment