Thursday, September 22, 2022

رأس المال الاجتماعي والثقة المجتمعية 22 9 2022

 

يناقش كتاب فرانسيس فوكوياما لعام 1995 ، "الثقة: الفضائل الاجتماعية وخلق الرخاء" ، مسألة الثقة في الأمة وتأثير الثقة الاجتماعية على ثروتها. يجادل فوكوياما بأن النجاح الاقتصادي يعتمد ، ليس فقط على العمالة ورأس المال والتكنولوجيا والموارد الطبيعية وريادة الأعمال ، ولكن أيضًا على ما يسميه قدرة المجتمع على إنشاء "رأس المال الاجتماعي".

ما هو رأس المال الاجتماعي؟ وفقا لفوكوياما ، هي قدرة الناس في المجتمع على الوثوق بأفراد من خارج الأسرة؛ كأن يثقوا بالغرباء داخل المجتمع. إن قدرة المجتمع على خلق صندوق من رأس المال الاجتماعي (الثقة ببعضهم البعض)  تمكن أعضاء المجتمع من ايجاد مشاريع أكثر قابلية للاستدامة والحياة اقتصاديًا وهو أمر ضروري للنمو والتقدم الاقتصادي، وبالتالي الازدهار. مثل هذه الأطروحة التي تبدو بسيطة في الظاهر تحتوي على رسالة رائعة. كلما ازدادت قدرة افراد المجتمع على الثقة ببعضهم البعض ، ازداد احتمال نموه وتنميته.

ومع الاحترام لأطروحة فوكوياما فإنها ليست جديدة. تم تطوير أطروحة مماثلة من قبل الفيلسوف العربي ووالد علم الاجتماع ابن خلدون في أطروحته "المقدمة" منذ ما يقرب من خمسمائة عام. حدد ابن خلدون الرابطة، أو الثقة، الموجودة بين أعضاء المجموعة على أنها ضرورية لتوحيدهم ليس فقط ضد أعداء مشتركين ولكن أيضًا في إنتاج الحياة اليومية. أطلق على هذه الرابطة اسم "عصبية"، والتي تُترجم إلى "القومية" أو "الوطنية" في الدولة المدنية، وأعلن أنها أهم عنصر لنجاح عمل المجتمع في ممارساته وحياته اليومية.

سواء تم تصنيف الثقة المجتمعية على أنها رأس مال اجتماعي أو "قومية" أو "وطنية"، فهي مفهوم سحري يقود الناس إلى الاتحاد معًا لإنشاء مشروع عظيم. ففي الاقتصاد تتداخل جميع أنواع المؤسسات الكبيرة منها والصغيرة، لترتبط ببعضها البعض من خلال الشعور بالوحدة مما يؤازر ويعزز هذه الوحدة أيضا لخلق دورة حميدة للمجموعة. ومع ازدهار الروابط بين العمليات الاقتصادية المختلفة للأمة بسبب، من بين أمور أخرى، الثقة الموجودة في المجتمع، يصبح الاقتصاد بأكمله أكثر قدرة على التمتع باقتصاديات الحجم والنطاق أو التنوع.

فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص يتقاضى خمسمائة دينار أردني شهريًا، سيكون قادرًا على الاستمتاع بأشياء قيمتها أكثر من خمسمائة دينار من السلع والخدمات. كيف؟ في مجتمع الثقة، يميل الناس  أكثر  إلى المشاركة، والتصرف بإيثار تجاه بعضهم البعض، والحصول على مزيد من المتعة من الاستهلاك الجماعي بدلا من الفردية والتفرد أو التعصب لمجموعات صغيرة.

 

وعندما يصبح الناس أكثر أمانًا بشأن المستقبل، فإنهم ينفقون بحرية أكبر مما يؤدي إلى زيادة الدخل وزيادة الإنفاق والادخار، ويثق المشترون بالبائعين على الرغم من أنهم قد لا يعرفونهم، فتقل كلفة ورسوم التعامل والتبادل الاقتصادي بين الناس مع انخفاض الحاجة إلى المحامين والعقود الملزمة. علاوة على ذلك، فإن المجتمع القادر على حشد قدر كبير من رأس المال الاجتماعي ينفق أقل على حماية نفسه من الأفعال السيئة لمواطنيه. فيتم تحويل الاستثمار في حماية الشرطة وأنظمة الإنذار وما إلى ذلك نحو أنواع أخرى أكثر إنتاجية من النفقات التي يمكن الحصول منها على المنافع المباشرة. هناك العديد من الأمثلة على المجتمعات التي يعلو فيها رأس المال الاجتماعي، مثل المورمون في يوتا، والآميش في بنسلفانيا، الذين تمكنوا ، من خلال العمل الجاد وكمية كبيرة من رأس المال الاجتماعي، من خلق مجتمعات مزدهرة في ظل ظروف صعبة للغاية.

كيف يكون هذا النقاش حول رأس المال الاجتماعي بالنسبة للأردن؟ يمتلك الأردن قدرًا كبيرًا من هذا المورد الثمين، لكن يجب أن نكون حريصين على تجنب ضمور رأسمالنا الاجتماعي، وهو ضمور يمكن أن ينجم مباشرة عن بحثنا عن المصلحة الذاتية والتعظيم الشخصي كما يتجلى في الظواهر المتنامية مثل التمييز على أساس الجنس ، والإقليم، والدين، إلخ. وحسب النظرية الاقتصادية، فإن التمييز في المجتمع يستمر حين يكون منه نفع اقتصادي لجهة على حسبا أخرى، ولكن ما يخبرنا به فوكوياما وقبله ابن خلدون، فإن تقليص الثقة وخلق جماعات ثقة صغيرة بدلا من تلك الوطنية يضر بالاقتصاد ككل، ويقلص انتاجيته وكذلك ازدهاره.

نعم، أن نكون مختلفين فإن هذا هو قانون الطبيعة وأحد أسباب جمالها. وإذا رغب المرء في تحديد المجموعات داخل المجموعة على أنها مختلفة، فلا ينبغي اعتبار ذلك أمرا "سيئًا"، ولكن الولاء أو العصبية يجب أن تكون للأردن أولا وأخيرا.

 

ملاحظة: نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في 31 3 1996 

No comments:

Post a Comment