تدعم الطبقة الوسطى في معظم البلدان التنمية الاقتصادية من خلال طلبها على السلع العامة والمطالبة بمساءلة الحكومة لتعزيز مساهمتها في الرفاهية للمواطنين والحد من عدم المساواة والفقر. نجد في الأردن أن الطبقة الوسطى، والتي تضم 30 في المائة من الأردنيين، بدلاً من مطالبة الطبقة المتوسطة الحكومة بإنفاق أفضل على السلع العامة، قد خصخصت الطلب على السلع العامة لتجعلها سلع فردية أو خاصة رغم ان الخدمات أو السلع العامة يتم تمويلها من ضرائب هؤلاء، مما يعني ان الطبقة الوسطى تدفع ثمن هذه الخدمات مرتين وبدلا من أن تتذمر، اختارت الطبقة الوسطى أن تستبدل من خلال دخلها الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة بخدمات خاصة.
السلع العامة (ويقصد بها السلع والخدمات) هو
منتج يمكن للفرد أن يستهلكه دون التقليل من توفره للآخرين، ولا يُستثنى من
استهلاكه أحد. تشمل أمثلة السلع العامة الطرق، وحماية الشرطة والجيش، والتعليم الأساسي،
والهواء، وما إلى ذلك. وعادةً ما يتم توفير السلع العامة من قبل الحكومات من خلال
النفقات الرأسمالية، وهي ليست نفقات يقصد منها الربح بل التنمية وتعظيم المنافع
لمواطني الدولة. ويعني إضفاء الطابع الفردي على السلع العامة أن الأفراد يختارون
تقديم هذه السلع أو الخدمات بأنفسهم.
يتم توفير العديد من الخدمات التي عادة ما
تقدمها الحكومة في الأردن من خلال نظام السوق والإنفاق الفردي. على سبيل المثال،
يذهب 33 بالمائة من الأطفال في الأردن إلى المدارس الخاصة، بينما يلتحق 67 بالمائة
بالمدارس العامة. وبالنسبة للتعليم العالي، تم تسجيل 344,796 طالبًا في الجامعات
في الأردن في 2020-2021 ، 27.5٪ منهم مسجلين في ال17 جامعة الخاصة، والباقي في 10 جامعات حكومية.
أيضا، يُظهر نظام الرعاية الصحية العامة خروجًا
آخر عن الإمداد العام للخدمات إلى العرض الخاص. فمن بين 122 مستشفى في الأردن
هنالك 72 مستشفى خاص، و33 حكوميًا، و 15 عسكريًا واثنان من المستشفيات الجامعية.
من الواضح أن عدد المستشفيات الخاصة يفوق بكثير عدد المستشفيات العامة، وقد تكون
الشكاوى المتعلقة بنظام الرعاية الصحية العامة والتهجم على الموظفين والكوادر
الطبية في هذه المستشفيات دليلاً إضافياً على مستوى الإحباط العام وانعدام الثقة
في ما تقدمه الحكومة من خدمات عامة في مجال الصحة.
وماذا عن مياه الشرب؟ وفقًا لدراسة أجراها
برنامج المياه الأردني الألماني، فإن حوالي 80 بالمائة من سكان المنطقة الوسطى في
المملكة يشترون المياه المعبأة في زجاجات، والمنتشرة على نطاق واسع، فبحسب وزارة
الصحة، هناك 32 مصنعا لتعبئة المياه، و542 محطة محلية لتنقية وتكرير المياه، وخمسة
مصانع لتعبئة المياه المعدنية.
وماذا عن المواصلات العامة؟ صحيح أن الحكومة
توفر طرقًا مناسبة نوعا ما، لكن النقل العام يتم توفيره على هذه الطرق بشكل أساسي
من قبل القطاع الخاص، حيث بلغ عدد المركبات المسجلة بلغ 1،728،144 مركبة في شهر
كانون الأول 2020، مما يعني أن هناك سيارة لكل أسرة أردنية. علاوة على ذلك، كانت هناك زيادة في عدد المركبات بنسبة 3.25 في
المائة في عام 2020 مقارنة بعدد المركبات في عام 2019 (1،673،759). علماً بأن معدل
الزيادة أعلى من معدل النمو السكاني لعام 2020 والذي كان 1٪، لأن معدل الزيادة
يتناسب مع معدل دخول الشباب إلى سوق العمل، وليس معدل النمو السكاني. ومن بين الآثار
السلبية لتخصيص وسائل النقل العام، الضغط على البيئة من خلال انبعاثات الكربون، وتوسع
عجز ميزان المدفوعات (في يونيو 2022 وحده، استورد الأردن 8148 مركبة، بقيمة 105
ملايين دينار، و10 ملايين دينار قطع غيار).
ماذا عن الكهرباء المولدة من الخلايا الشمسية؟
في عام 2019 ، تم تجهيز حوالي 15 بالمائة من جميع الأسر في الأردن بأنظمة تسخين
المياه القائمة على الطاقة الشمسية. ولو كانت هناك حوافز أكثر وقيود أقل، لكان
الرقم سيرتفع بسهولة إلى أكثر من 30٪.
في كل من هذه السلع العامة أو شبه العامة تقريبًا
، تقترب النسبة من 30 بالمائة، وهي أيضًا النسبة المئوية للطبقة الوسطى. هل يعني
هذا أن الطبقة الوسطى في الأردن قد سئمت من مطالبة الحكومة بتحسين خدماتها واختارت
بدلاً من ذلك إضفاء الطابع الفردي على هذه المنافع العامة؟ هل يعني ذلك أيضًا أن
هناك نقصًا في الرضا أو الثقة في الخدمات الحكومية؟ الأرقام تُدعّم مثل هذه
الاستنتاجات.
No comments:
Post a Comment