مع تحول الركود إلى حقيقة واقعة في أوروبا والولايات المتحدة، يلوح في
الأفق سؤال مشروع في الأردن حول ما إذا كان الاقتصاد سيواجه قريبًا تضخم مصحوب
بركود اقتصادي (التضخم مقترنًا بالبطالة). قام البنك المركزي الأردني مؤخرًا برفع
أسعار الفائدة على جميع أدواته لمواجهة تأثير التضخم الوشيك وفقًا للبيانات
المنشورة.
من الواضح أنه لم يتم حتى الآن مناقشة أي الضررين (التضخم أم البطالة)
أكثر تسبيبا للتعاسة في النقاشات الاقتصادية في الأردن. إن الرأي القائل بأن التضخم يسبب قدرًا من البؤس يساوي ما تسببه البطالة
غير صحيح كما ثبت مؤخرًا. في السبعينات كان يعتقد آرثر أوكون، الاقتصادي الشهير
والحائز على جائزة نوبل، أنهم خلقوا نفس مستويات البؤس. ومن هنا أنشأ "مؤشر
البؤس" في السبعينيات، وهو مجموع معدلات البطالة والتضخم. تم تحدى هذا الرأي
في عام 2013 من خلال عمل دافيد بلانشفلور من كلية دارتموث وثلاثة من زملائه، والنتيجة
التي تم التوصل إليها بناء على استطلاعات الرأي أنه في حين أن التضخم سيئ، فإنه
ليس بنفس السوء مثل البطالة، والأخيرة أسوأ بكثير. لذلك، فإن التفكير الاقتصادي
الحالي هو أن البطالة شر أسوأ من التضخم.
كان الاقتصاد العالمي قبل وقوع COVID-19 يواجه الانكماش وليس التضخم. كان الشيء نفسه
ينطبق على الأردن. إغلاق القطاعات، وتعطل سلاسل التوريد العالمية، والانخفاض
المستمر في عرض العمالة في الاقتصادات المتقدمة، والإغلاق الأخير للمراكز
الاقتصادية الرئيسية مثل شنغهاي، والحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة
والصين، والارتفاعات الحادة في أسعار الطاقة، وحرب روسيا وأوكرانيا، كلها عوامل غذت وتغذي التضخم.
بالإضافة إلى ذلك، قامت دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا
وغيرها بضخ السيولة الهائلة في اقتصاداتها للحفاظ على الأعمال التجارية خلال
الوباء وتقليل التأثير السلبي على صاحب العمل والموظفين، مما خلق أرضية خصبة
لمعدلات التضخم المرتفعة التي تعاني منها هذه الدول الآن.
الدافع الرئيس في الولايات المتحدة وأوروبا لرفع سعر الفائدة لجعل
الاقتراض والإنفاق أكثر تكلفة، مما يؤدي بدوره إلى خفض الطلب على السلع والخدمات
وبالتالي تخفيض الأسعار. بالنظر إلى أن أسعار الفائدة في هذه الاقتصادات كانت قريبة
من الصفر لفترة طويلة، ومعدلات البطالة المنخفضة جدا التي تتمتع بها يبدو أن سياسة
محاربة التضخم منطقية. ومع ذلك، فحتى في هذه الاقتصادات، من المتعارف عليه أن
مكافحة التضخم لها تكلفة. فتجربة بول فولكر، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في
أوائل الثمانينيات، خير مثال على سياسة نقدية بنيت على محاربة التضخم بإصرار والى أقصى
الحدود. حيث أصر فولكر على مواجهة تضخم جامح كانت تعاني منه الولايات المتحدة من
خلال رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية (من 11٪ إلى 20٪) بحلول أواخر عام
1980، مما تسبب في خلق ركود عميق ثمنا للتغلب على التضخم.
لم تكن السياسة النقدية توسعية في الأردن بذات المقدار كما هو الحال في
الاقتصادات المتقدمة. كما أن السياسة المالية التي تعاني بشكل شبه دائم من انعدام المرونة
ماليا في الموازنة، لم تستطع فعل الكثير أيضًا. أي أن كلا السياستين قاما ببعض
الجهد المشكور، ولكنه لا يقارن إذا ما قيس بما فعله آخرون.
وبالتالي، يأتي التضخم إلى الأردن ليس نتيجة عرض نقدي مفرط ولكن بسبب
صدمات العرض السلبية التي هزت الإنتاج في جميع أنحاء العالم والتي أثرت على تكلفة
الواردات (13822 مليون دينار أردني في الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2021 والتي
تعادل 250% من قيمة الصادرات الوطنية). علاوة على ذلك ، ووصل معدل البطالة 24٪
(حوالي 50٪ بين الشباب) ، وبلغ النمو 2.2٪ بالأسعار الثابتة في عام 2021. ومع ذلك،
فإن التضخم، وفقًا لمؤشر أسعار المستهلك، في أبريل 2022 لم يكن بهذه الأهمية (2.47٪)
لأن الأردن يعاني منذ 2010 من معدلات نمو تقل في الغالب عمن معد نمو السكان، أي أن
الاقتصاد في حالة ركود طويلة الأمد.
على عكس التأكيدات المتداولة على نطاق واسع، لا يواجه الأردن معدل تضخم
يستدعي خطوات جذرية مثل رفع سعر الفائدة بنسبة 0.5٪. وحتى لو كانت هذه خطوة
احترازية فإن الأسعار لم ترتفع بسبب زيادة المعروض من النقود ولكن بسبب ارتفاع
أسعار الواردات. لذا، فإن ارتفاع سعر الفائدة لن يحد بأي شكل من الأشكال من معدل
التضخم.
وعلاوة على ذلك، فإن الادعاء بأن الاقتصاد قد تعافى إلى مستويات ما قبل
الجائحة يخفي حقيقة أنه حتى لو كان هذا صحيحًا، فإن معدلات النمو ما قبل الجائحة
كانت معدلات ركود طويل الأمد. على الأرجح ، فإن زيادة أسعار الفائدة ستزيد من
إضعاف الاقتصاد وليس تقويته لأنها ستؤدي إلى ارتفاع تكلفة رأس المال والتمويل
للاستهلاك، مما سيجعل الاستثمار والاستهلاك أقل جاذبية.
حقيقة الأمر هي أن البنك المركزي الأردني، تاريخيًا، يرفع ويخفض أسعار الفائدة بذات النسب وبفارق 12 ساعة في مماهاة تامة لما يقوم به الاحتياطي الفيدرالي في أمريكا. لذلك، لا يمكن القول بأنه توجد سياسة جديدة هنا. والسبب في هذا الإصرار على تقليد الاحتياطي الفيدرالي هو مقولة أن الحفاظ على هامش قوي بين أسعار فوائد الدولار والدينار الأردني يوقف الدولرة. وهنا لا بد من التذكير بأن هذا الهامش نما خلال العشرين سنة الماضية. علاوة على ذلك (وأكرر هنا ما قلته مرارا وتكرارا منذ أكثر من 22 عام) فإن مدى فعالية ومقدار هذا الهامش لا تدعمه دراسة أو دراسات تجريبية تثبت مصداقيته. ولمن يشاء أن يفحص ما أدعيه، كل ما عليه أن يقوم بعمل تمرين احصائي (اقتصاد قياسي) بسيط ليثبت له وبكل وضوح أن الأردنيون يكدسون الدولارات عندما يكون النمو الاقتصادي ضعيفًا ويتجهون للاحتفاظ بحسابات بالدينار عندما يكون النمو الاقتصادي قويًا. كما أن ذات الاختبار سيبين أن لا علاقة للدولرة بالهامش الموجود
No comments:
Post a Comment