Tuesday, July 27, 2021

ماذا عن العقبة؟ 27 7 2021

يعتقد الكثيرون أن عاصفة الانتقادات لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وسلطتها لم تتشكل إلا مؤخرًا، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، فالرفض لمبدئها والاعتقاد بفشلها وعدم الإيمان بمفهومها ومزاياها امتد منذ أكثر من عقدين من الزمن. كما أن اللوم لا يقع بأكمله على عاتق سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بل يجب أن يتكبد جزء كبير منه المؤسسات الحكومية وتشريعاتها الناظمة واجراءاتها.

بدأت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة الممتدة على مساحة 375 كيلومتر مربع كمنارة تقدم أفضل الممارسات ليُقتدى بها في كافة الأردن. فكان من المفترض أن يكون لخفض الإجراءات البيروقراطية والضرائب والرسوم على الإنتاج والاستهلاك قصص نجاح تستفيد منها البلد ككل فيتم توسيع الممارسة لاحقا بعد اكتساب الخبرة والوقوف على ثمارها. ومع ذلك، ومنذ البداية، اشتكى المشككون من أن تخفيض الجمارك والرسوم والضرائب سيؤثر سلبًا على دخل الحكومة المركزية وبالتالي بدأوا في ابتكار رسوم وطرق أخرى لمواجهة ما اعتقدوا أن له أثر مالي سلبي ونجحوا على مر السنين في إضعاف مفهوم وفعالية منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.

لا يمكن أن تفلت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة من كونها جزء من المنظومة الكلية للبلد فالعديد من النصوص التشريعية التي تحكم المنطقة هي تلك الخاصة ببقية الأردن. على سبيل المثال، تحكم المنطقة الخاصة تشريعات المياه وتنظيم الأراضي والعقار التي تخضع لها باقي أنحاء المملكة. ومن ثم، فإن المستثمر الذي يحتاج مصنعه لمصدر مياه رخيصة الكلفة غير صالحة للشرب (غير معالجة) لاستخدامها بكميات كبيرة في صناعته لا يستطيع حفر بئر يجتر مياه البحر رغم كونه بجانب البحر لأن المياه النظيفة متاحة من قبل وزارة المياه وشبكاتها- وهو تشريع يتم تطبيقه في جميع أنحاء المملكة. مثال آخر فإن محاولة تحويل مصابيح الشوارع في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة الى مصابيح موفرة للطاقة أمر خاضع لموافقة وزارة الطاقة وليس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. أيضا، تخضع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لرسوم وقواعد تنظيم الأراضي والمباني في باقي المملكة رغم أن المنطقة تحتوي مشارع عملاقة قام أصحابها بتطوير البنى التحتية (شوارع، كهرباء، مياه، حدائق عامة، شبكيات صرف صحي، الخ) داخل مشاريعهم العملاقة على نفقتهم الخاصة دون أي كلفة للحكومة. حتى الوصول (وصعوبته) إلى منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة يتعرّض للعراقيل لكون طرق السير خارج إطار وحدود المنطقة غير مصانة وعقبات أخرى يفرضها تدني كفاءة الكل. وبالتالي كان ولا يزال على منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أن تعاني ليس فقط من التحديات الداخلية وهي كثيرة ولكن من تحديات خارجية يعانيها الأردن ككل.

أيضًا، بعد عقدين من الزمن، ظلت السياحة الداخلية والوصول إلى العقبة أقل من الممكن حيث لا يمكن قطع مسافة 320 كم (من عمان للعقبة) إلا من خلال شبكة الطرق العامة وبالسيارة أو الباص في بلد ترتفع فيه أسعار الوقود والمركبات بسبب الجمارك المرتفعة التي تصل الى 140% من قيمة السيارة. الوسيلة الأخرى الوحيدة للوصول إلى العقبة هي من خلال الطيران وحسب جداول رحلات مُروّعة حيث تقلع الطائرة في الساعة 6:45 صباحًا، وهو وقت بالكاد مريح، وإذا حجز السائح غرفة في فندق فلن يتمكن من استخدامها في الغرفة حتى منتصف النهار، مما يعني التسكع في ردهة الفندق من الساعة 7:30 صباحا حتى منتصف النهار. تتأخر رحلة العودة أيضًا، ليكون الشخص بلا مأوى بين الساعة 12 صباحًا و 8 مساءً لأنه سيكون قد سلّم غرفة الفندق لينتظر رحلة العودة بعد ثماني ساعات. لقد تحسنت الرحلات الجوية من العقبة وإليها في السنوات الأخيرة، ولكن بشكل طفيف فقط، وكان الحل البسيط لهذه الرحلات هو زيادة اعدادها، وتشجيع المزيد من السياحة المحلية والأجنبية.

داخليًا، لا يزال استقلال وأداء سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة يعتمدان على نفوذ وسلطة الأشخاص الموجودين على رأسها، وليس قوة المؤسسة والسياسات والإجراءات. حتى التوظيف في السلطة اتبع نموذج بقية البلاد فأنشأ منظمة قطاع عام متخمة بالموظفين مثل غالبية أجهزة الحكومة.

كما أن الوعود المبالغ فيها من قبل بعض المسؤولين في المنطقة لم تساعد على تحسين المصداقية أيضًا حين بالغ بعض المسؤولين في حجم تدفقات الاستثمار. فعلى سبيل المثال، تجاهل بعض المدراء التنفيذيين حين مخاطبة الاعلام أن اتفاقية استثمار بقيمة 10 مليارات دينار أردني كانوا قد وقعوا عليها للتو لن تصب جميع أموالها في الأردن فورا أو حتى في ذات السنة، ولكن سيكون انفاقها على مدى بضع سنوات. أدت هذه الممارسة وتكرارها وغيرها في مناسبات عديدة إلى فقدان الثقة في التصريحات والوعود الرسمية العامة وبالتالي الى التقليل من مصداقية التجربة ككل.

هناك العديد من النقاط المتعلقة بنجاحات وإخفاقات منطقة العقبة الاقتصادية وسلطتها. والأهم من ذلك، أن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بحاجة إلى الإصلاح وليس الاستغناء عنها كليا!

No comments:

Post a Comment