Monday, April 26, 2021

استخدام السياسة النقدية للنمو 26 4 2021

 

استخدام السياسة النقدية للنمو

يوسف منصور

26 4 2021

هناك فصل واضح وغير ضروري بين السياسات النقدية والمالية عندما يتعلق الأمر بالتنمية الاقتصادية في الأردن. تخضع السياسة النقدية وأدواتها للبنك المركزي الأردني، الذي يعمل بشكل مستقل عن الحكومة. وتتولى وزارة المالية إدارة السياسة المالية ، وتتمثل أدواتها في الإنفاق الحكومي والضرائب والرسوم..

البنك المركزي الأردني، كغيره من البنوك المركزية في الدول النامية الصغيرة، كما اشار جوزيف ستجلتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، غير قادر على السيطرة على التضخم لأن الواردات الأردنية تشكل حوالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي وتفوق عدة مرات حجم صادراته. ومن ثم ، فإن البنك المركزي يركز على الحفاظ على سعر ربط الدينار بالدولار الأمريكي، وهو أمر هام، من خلال تخزين مستويات كافية من الاحتياطيات (وهي حاليا أكثر من كافية بالفعل) ووضع فارق بين سعر الفائدة بين الودائع بالدولار الأمريكي والدينار.

ومن ناحية أخرى ، فيما يتعلق بأدوات السياسة المالية (زيادة الضرائب والرسوم ، وزيادة تحصيل الضرائب ، وخفض الإنفاق) يحفز صندوق النقد الدولي على استخدام  تدابير التقشف عبر ما يسمى ببرامج الإصلاح العشرة لصندوق النقد الدولي رغم أن الاقتصاد بحاجة لتحفيز الطلب ومن ثم العرض، أي استخدام سياسة مالية توسعية. وبالنظر إلى صغر الحيز أو المرونة المالية في ميزانية الحكومة لا تستطيع وزارة المالية إحداث نمو اقتصادي كبير، ناهيك عن التنمية.

تكتسب النظرية النقدية الحديثة منذ عدة سنوات شعبية كبيرة لتحتل مكانة بارزة وزخمًا إضافيًا في كونها حل للفشل الناجم عن السياسات الاقتصادية التقليدية في تحقيق التوظيف الاقتصادي ومعالجة المشاكل الاقتصادية بسبب تضرر النشاط الاقتصادي عالميا لكن منتقديها يرون أنها مجرد نظرية اقتصادية تبسيطية أخرى بها الكثير من المشاكل وكونها لا تعدو أكثر من سياسة مالية وليست نقدية، قال محافظ البنك الأسترالي المركزي مؤخرا، " إنها في الحقيقة سلسلة من المقترحات حول السياسة المالية".

لماذا لا تتكاتف السياسة النقدية والمالية معا ويبتعدا عن نظرية المال القديمة التي تعتبر النقود محايدة لا دور لها إلا في محاربة الغلاء  ويتجها لاستخدام نظرية النقد الحديثة والتي تقول بأن الحكومة التي تصدر نقودها الخاصة بها يمكن أن تدفع ثمن السلع والخدمات والأصول المالية دون الحاجة إلى زيادة الضرائب أو إصدار السندات قبل البدء بعملية الشراء، كما أنها لا يمكن إجبارها على التخلف عن سداد الديون التي اقترضتها بعملتها الخاصة (الدينار). مما يعني للأردن أنه يمكن للحكومة خفض سعر الفائدة وإعادة شراء ديونها المحلية، ويحرر سياستها المالية لتصبح توسعية فتطور المشاريع وتسدد ديونها المحلية للمقاولين وتعيد النشاط للاقتصاد (وأكرر هنا أن نوعية الانفاق هامة جدا).

وهكذا يمكن للبنك المركزي الأردني خفض أسعار الفائدة الحقيقية من مستوياتها الحالية المرتفعة (نعم، ترتفع الفائدة الحقيقية عندما يكون التضخم سالبًا كما حصل لدينا في 2019) ، ويمكن للحكومة الاقتراض بمثل هذه المستويات المنخفضة من الفائدة من البنك المركزي لإعادة شراء ديونها المحلية (19.45 مليار دينار) ذات أسعار الفوائد المرتفعة من البنوك وصندوق استثمار الضمان الاجتماعي. وهذا من شأنه أن يترك مبالغ طائلة من الأموال لدى البنوك مما سيؤدي إلى خفض الفائدة للمقترضين، وبالتالي تقليل تكلفة الاستثمار والقيام بالأعمال والاستهلاك، مما سيؤدي إلى ارتفاع كل من العرض والطلب، مما من شأنه أن يدفع الاقتصاد نحو معدل النمو الطبيعي (كان النمو العام الماضي سلبياً ، وحسب بعض المصادر حوالي 5٪) ، وانخفاض البطالة (حالياً عند 24.7٪). قد يقول البعض ماذا عن التضخم؟ لا داعي للقلق؛ في الواقع، نحن بحاجة إلى بعض التضخم الآن. في السنوات الثلاث الماضية، كان التضخم إما سالبا أو قريب جدًا من الصفر كما يوجد الكثير من الطاقة الفائضة في الاقتصاد حاليا.

وماذا عن تأثير اندثار فرق سعر الفائدة (حوالي 3٪) بين الودائع بالدينار والدولار على الدولرة؟  حيث تنطبق النظرية على البلدان التي لا تربط عملتها بعملات أخرى كالدولار مثلا أو بالذهب. يُظهر تمرين معامل الارتباط البسيط أنه خلال فترات النمو الاقتصادي البطيء يحتفظ الناس بمزيد من الودائع بالدولار بغض النظر عن الهامش في سعر الفائدة على الودائع بالدينار والدولار. وفي فترات النمو المرتفع يذهبون إلى الدينار الأردني لصالح سعر الفائدة الأعلى حيث أن ثقتهم بالاقتصاد والحكومة والعملة المحلية تكون مرتفعة وبالتالي يصبح تفكيرهم استثماريا أكثر منه تحوطيا. بعبارة أخرى ، يكون الهامش فعّالاً أو مؤثرا فقط في سنوات النمو المرتفع حيث يتجه الناس للاستفادة من فارق سعر الفائدة، أي عندما يكون الجمهور واثقًا من الاقتصاد، بينما يكون تأثير الهامش ضئيل أو معدوم خلال سنوات النمو البطيء والثقة المنخفضة بالاقتصاد فال3% لا تقارن بمخاسر تغير سعر العملة التي قد تكون أضعاف ذلك. ومع عودة سريعة للنمو المتحقق من سياسة توسعية تعود الثقة بالاقتصاد إن تم التطبيق بشكل صحيح، ولن يكون هناك أي تأثير على سعر الصرف للدينار.

نظرًا لأننا في سنوات من النمو البطيء (الأردن في حالة ركود لأكثر من عقد من الزمان) ، فلماذا لا نحاول مثل الولايات المتحدة واليابان والعديد من البلدان الأخرى استخدام نظرية النقد الحديثة لتخفيض الدين المحلي الحكومي ، ووقف مزاحمة القطاع العام للقطاع الخاص الذي أدى الى رفع سعر الفائدة لدى البنوك وشل عمليات الاستثمار والتوسع في الأعمال وقلل من الاستهلاك.  مثل هذا التوجه سيؤدي الى وفر مدفوعات الفائدة على الديون المحلية للحكومة وتمكين سياسة مالية توسعية معاكسة للتقلبات الدورية. ولا يمكن أن ينجح هذا إلا إذا عمل الجميع برؤية اقتصادية موحدة للأردن ونأمل أن لا تكون رؤية صندوق النقد الدولي.

No comments:

Post a Comment