Tuesday, May 5, 2020

تحديات الاقتصاد بعد ازمة الكورونا 5 5 2020



تفاعل الاردن بشكل ممتاز من الناحية الصحية مع جائحة الكورونا، غير أن التحدي الأكبر سيكون كيفية العودة بالاقتصاد الى مرحلة التعافي أيضا. لذا، ادرج هنا بعض التحديات القادمة، وأرجو أن لا أكون متفائلا أو متشائما بل واقعيا، وأترك الحكم في هذا للقارىء.
الإنفاق العام على الأنظمة الصحية،  تُظهر أزمة COVID-19 وجوب تخصيص المزيد من الانفاق على الانظمة الصحية في الأردن، فلولا الحجر لبدى ضعف هذه الأنظمة واضحا كسلعة عامة وضرورية وقد يستفيد الأردن هنا من كونه شابا من الناحية الديموغرافية حيث ترتفع فيه نسبة الشباب.
الدين العام، ستزداد مديونية الحكومة، وهي مرتفعة أصلا، نتيجة الحجر والتوقف الاقتصادي وفترة التعافي الطويلة ما بعد العودة للعمل، فمن الواضح أن العديد من القطاعات لن تعود للعمل بشكل تام، وخاصة السياحة والنقل. وبما أن الحكومة تُحصّل 30% من الناتج المحلي الإجمالي على شكل ضرائب ورسوم فإن دخلها سينخفض بهذه النسبة مع تراجع الاقتصاد الكلي. واعتقد بأنه سيكون هنالك تراجع هذا العام يفوق غالبية التوقعات السائدة من المنظمات الدولية حيث أن التراجع سيعتمد على طول فترة الحجر، وسرعة عودة الاقتصاد ولا أعتقد أنه سيعود الى ما سبق بسرعة، بل أن الأثر سيتناقص على مدى عام أو أكثر، وسيعتمد على كون السياسة النقدية فاعلة وغير تقليدية بشكل كبير.
الدين الخاص والانتعاش الضعيف والبطالة، كما أن فقدان الدخل للعديد من الأسر والشركات يعني أن مستويات ديون القطاع الخاص قد تصبح غير مستدامة، مما قد يؤدي إلى حالات تخلف عن السداد وربما الإفلاس. وإلى جانب المستويات المرتفعة للدين العام، فإن هذا كله سيؤدي الى انتعاش ضعيف. وكما صرح وزير العمل اليوم فإن 406 منشأة ( يعمل فيها 9775 عامل) طلبت السماح لها بالتوقف عن العمل، لذا نتوقع ارتفاع ارقام البطالة من نسبتها الحالية والتي تفوق 19%.
تزايد مخاطر الركود العميق، وخاصة أن الاقتصاد الأردني دخل الأزمة  وهو في ركود طويل وعميق، وستخلق الأزمة وتبعاتها ركودًا إضافيا في مبيعات وانتاج السلع المعمرة وتلك التي تشكل جزء كبير من الدخل، كما ستتراجع مبيعات السلع الكمالية بشكل كبير، ولتفادي ذلك يجب على بائعي هذه السلع تقديم الخصومات، وسيصاحب ذلك ايضا جهود لخفض التكاليف من قبل أصحاب العمل خاصة اذا ما بقيت أسعار الطاقة مرتفعة والبيروقراطية واجراءاتها كما هي وكلفة الاقتراض على هيكليتها. اي أننا لتخفيض هذا الأثر يجب أن نخفف تكاليف الانتاج وخاصة مع انخفاض فاتورة النفط العام الماضي بنسبة 23% وانخفاضها بشكل أكبر كما هو متوقع لهذا العام.
الدينار سيظل بخير، فالاحتياطي من العملات الصعبة والذهب كبير وفي اعلى المستويات ويكفي لأكثر من سبعة شهور من الواردات، ومع انخفاض اسعار الواردات ومن ضمنها الطاقة سيغطي الاحتياطي أكثر من تسعة شهور.  وبما أن الأردن يُصدّر المواد الخام والكيماويات والملابس بالأساس فإن صادراته تغطي حوالي 40% من وارداته، فلا يوجد اي داع لتخفيض العملة لتحفيز الصادرات لأن حجم الصادرات أقل بكثير من الواردات. وعادة تخفض الدول المنتجة (كالصين مثلا) عملاتها لتحفيز الصادرات، أما في الأردن فإن التخفيض يضر بالاقتصاد كثيرا حيث يجعل الواردات أكثر غلاء بالنسبة للجميع ويزيد من حجم المديونية بالنسبة للدينار.
التضخم، لا خوف لدينا من التضخم، وهو ما تحاربه البنوك المركزية في الدول الكبرى وليس في الأردن حيث أن غالبية التضخم مستورد، كما أن التضخم في 2019 في الأردن كان 0.3% اي 3 بالألف نتيجة الركود وانخفاض أسعار الطاقة والسلع الاساسية التي نستوردها، لذا فإن أي ارتفاع في الاسعار، إن حصل، سيكون قليلا، وغير ذي أثر يذكر.
تسارع التحول الرقمي (الديجيتالي) مع الكورونا، وهو ما سيخلق فرص عمل جديدة، ولكنه سيؤدي أيضا إلى فقدان البعض لوظائفهم أو عملهم ويقلل من كسبهم، مما سيوسع الفجوات في الدخل والثروة، ويغير من سلاسل التوريد  ويتطلب تحولات استثمارية ورأسمالية ضخمة نسبيا، وهو أمر قد تستطيعه بشكل أفضل تلك الدول المتقدمة ومنخفضة تكاليف الانتاج ومنها التمويل، وستعاني منه الأسواق الأعلى تكلفة، وسيؤدي للضغط هبوطيًا على الأجور. وسيعاني من هذا التحول بشكل كبير العمالة الضيف المقيمة في الأردن واللاجئين وخاصة في القطاع غير المنظم.
عالميا، ستنحسر العولمة (وقد بدأت بذلك فعلا ادارة ترمب)  ويصبح التوجه اكثر نحو شيطنة الآخر، واعتماد سياسات حمائية أكثر لحماية الشركات والعمال المحليين من الاضطرابات العالمية والمنافسة داخل أسواقها، وفرض قيود أكثر صرامة على حركة السلع والخدمات ورأس المال والعمالة والتكنولوجيا والبيانات والمعلومات. ولقد ظهرت دلالات هذا التوجه واضحة في قطاعات الأدوية والمعدات الطبية والغذاء حيث تفرض الحكومات قيودًا على الصادرات وتدابير حمائية أخرى استجابة للأزمة. وقد ينجم عن شيطنة والقاء اللوم على الآخر مواجهة جيواستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وقد بدأ ذلك فعلا مع  مع القاء إدارة ترامب اللوم على الصين في هذا الوباء، وستدّعي الصين أن أمريكا تتآمر لمنع تفوق الصين اقتصاديا، مما سيزيد من حدة الانفصال الذي بدأ بينهما وربما المواجهة، خاصة مع قرب الانتخابات الامريكية وحاجة ترمب مثل أي دكتاتور لوجود عدو خارجي يكون شماعة يعلق عليها فشله في ادارة الأزمة.

د. يوسف منصور

2 comments: