Wednesday, November 27, 2019

حول الاقتصاد الإبداعي في الأردن



حول الاقتصاد الإبداعي في الأردن
د. يوسف منصور

قد يجد الأردن، البلد ذو الموارد الطبيعية الشحيحة وقاعدة التصنيع الضيقة والعجز التجاري المستشري، فرصة كبيرة وعظيمة في التركيز على تطوير الصناعات الإبداعية والترويج لها داخل الأردن وخارجه؛ ولكن هذه الفرصة الاستراتيجية تتطلب جهودًا وتدخلات مؤسسية وحكومية منسقة وممنهجة على العديد من المستويات.
يتم تعريف الصناعات الإبداعية على أنها منتجات على نطاق صناعي إلى جانب محتوى ثقافي مهم؛ السلع والخدمات ذات الإنتاج الضخم ذات محتوى فني كاف لكي تعتبر إبداعية. وهي تشمل: الفنون المسرحية، وسوق الفنون، والحرف، والتصميم، والأزياء، والأفلام، ومقاطع الفيديو، وصناعة الموسيقى، والنشر، والبرمجيات، والألعاب واللعب، والتلفزيون والإذاعة، والإعلان والهندسة المعمارية. وفي بعض الأحيان يتم تضمين السياحة الثقافية. ونظراً لطبيعة المنتجات الإبداعية، تعتمد هذه الصناعات على إنفاذ حقوق الملكية الفكرية (IPR)، مثل حقوق الطبع والنشر وبراءات الاختراع، لحماية المحتوى الإبداعي.
يتمتع الأردن بإمكانيات هائلة تمكنه من تنمية هذه الصناعات، خاصة لأنه كان ولا زال منتج للعمالة ذات المهارات العالية ورأس المال البشري. وينعم الأردن أيضاً بمحتوى ثقافي متنوع يمكن إطلاقه كمدخل للمنتجات الثقافية الإبداعية مثل الأفلام والقصص والروايات الفريدة عالميا. علاوة على ذلك، فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، القطاع الذي تلقى الكثير من الدعم من جلالة الملك عبد الله الثاني، هي مدخلات ومخرجات مهمة وضرورية للاقتصاد الإبداعي. أيضا، يفوز المهندسون المعماريون الأردنيون باستمرار بجوائز دولية والتقدير العالمي لتصاميمهم الابداعية. كما حصلت بعض الأفلام الأردنية، على الرغم من أن صناعة الافلام لا زالت ناشئة في الأردن، على تقدير النقاد والمشاهدين وجوائز في جميع أنحاء العالم، ومثال على ذلك فيلم  "ذيب" الذي أختير كأحد أفضل خمسة أفلام في جائزة الأوسكار قبل بضع سنوات.
زادت العولمة، والتي يعتبر الأردن ممارساً لها، التجارة في السلع الثقافية. وأصبح من الممكن الآن للمنتج الإبداعي اختيار سوق محلي أو إقليمي أو عالمي. على سبيل المثال، في مجال الرسم، هنالك قاعدة بأن شخص ما سيعتقد أن لوحة رسمها فنان في الأردن جميلة ويرغب باقتنائها، وقد يقيم هذا الشخص الآن في هيوستن أو لندن أو جدة، وليس بالضرورة في عمان. علاوة على ذلك، يمكن أن تختلف التقييمات الفردية للوحة، وعادةً ما تستند إلى الدخل والثروة ومدى انتشار الرسام ذاته وشبكاته وعلاقاته وسمعته التي تستطيع من خلال الانترنت والمواقع المختلفة أن تخترق الحدود الرسمية لبلده. لذا يحتاج المنتج للعمل الابداعي إلى التصدير الى اسواق اخرى مستقرة وعميقة الثراء للحصول على سعر أعلى من السعر المعروض في سوق محلية صغيرة ( ومن الطريف أن هذه قاعدة أشار لها ابن خلدون في كتاب المقدمة عام 1733)؛ ولقد جعلت شبكة الإنترنت هذا ممكناً. قد تصبح تكلفة المحتوى الثقافي أيضاً أصغر عند قياس كلفة انتاجها بالنسبة إلى الأسواق الأخرى، مما يتيح أيضاً زيادة الربحية ويشجع بدوره المزيد من الصادرات.
وعلى الرغم من ذلك، فإن صادرات السلع الإبداعية الأردنية لم تصل الى المستوى المطلوب والملائم للقدرات الابداعية الفردية في الأردن. فقد ارتفعت صادرات السلع الإبداعية الاردنية من 215 مليون دولار أمريكي في عام 2005 إلى 230 مليون دولار أمريكي في عام 2014، بمعدل نمو تراكمي 7٪ على مدى 10 سنوات، أو أقل من 0.7٪ في السنة، وهو أقل بكثير من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (9.63٪) و الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (5.13٪). كما أن هذا الأداء منخفض أيضاً بالمقارنة مع نمو إنتاج السلع الإبداعية في جميع أنحاء العالم (140٪ خلال الفترة 2002-2015).
ومن حيث مكونات هذه الصادرات، شكلت سلع التصميم والمجوهرات والتصميم الداخلي (المقدرة مجتمعةً بمبلغ 168 مليون دولار)، الجزء الأكبر من صادرات السلع الإبداعية. ومن ناحية أخرى، فلقد أبدت واردات الحرف اليدوية المصنوعة في الأردن نمو ملحوظ، حيث بلغت واردات السلع الإبداعية، التي بلغت 574 مليون دولار أمريكي في عام 2014 ، ضعف قيمة الصادرات.
أيضا للحرف اليدوية أهمية في تعزيز السياحة وتعظيم الاستفادة من دخلها، لا سيما السياحة الثقافية ومنتجاتها، حيث تُمكّن الحرف اليدوية الأردن من الاحتفاظ بمزيد من إيرادات السياحة كمصدر دخل للمنتجين المحليين . ايضا، تعاني النساء من ضعف معدلات بطالة تقارب ضعف هذه المعدلات للرجال، ويشكلن أكبر مساهم من حيث مدخلات العمل في إنتاج المصنوعات اليدوية. صادرات الأزياء هي قطاع آخر لديه إمكانات وقدرات كامنة للنمو، فأكثر من 7000 مؤسسة تعمل في قطاع تجارة الملابس والأقمشة في الأردن في عام 2007، ويعمل بها حوالي 21000 شخص؛ وهو القطاع الذي الكثيف العمالة النسائية.
ليس هناك شك أن الصناعات الإبداعية ستمكن الأردن، إذا أراد،  زيادة صادراته وتقليص العجز التجاري. ولكن من أجل تشجيع ظهور الصناعات الإبداعية المزدهرة في الأردن، يجب أن تكون هناك تجمعات صناعية، وهي مناطق جغرافية يتكتل فيها المنافسون والمنتجون للمدخلات الوسيطة والأنشطة التكميلية القائمة على أفضل الممارسات. ومن الملاحظ من دول كالمملكة المتحدة، والتي كانت رائدة في هذا الصدد، أن وجود هذه التركزات يشجع ظهور سريع لآثار إبداعية إيجابية ونمو اقتصادي سريع.
يتعين على الحكومة العمل على خلق اقتصاديات تكتل كبيرة ، وتمكين فورات الحجم والنطاق من أجل تمكين إنشاء ونمو الشركات الكبيرة التي يمكن أن تنافس بشكل أفضل على الصعيد العالمي. إن إنشاء كليات ومدارس للفنون في المناطق المختلفة سيشجع على زيادة الآثار غير المباشرة. الايجابية وتطوير الابتكار بشكل كبير.

وعلى الرغم من أن من الممكن لعدد قليل جدا من الناس أن يكونوا مبدعين كل يوم وبالتالي إنتاج محتوى إبداعي بكميات كافية بشكل مستمر وبقدر يمكنهم من العيش الكريم، ولكن هؤلاء فئة نادرة فغالبية الناس قد لا تنتج أكثر من عمل أو عملين ابداعيين مثمرين، يجب تشجيع هؤلاء وتحفيزهم، وليس التغني بقصة نجاح ما قد يكون طفرة أو طفرات متباعدة لا تكفي للقيام بصناعات ابداعية مزدهرة، فالصناعات الابداعية تتطلب تحفيز أكبر فئة من الناس على الانتاج الابداعي لترتقي المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بمتوسطي المهارة الى مهارات عالية مميزة ومحمية من التقليد والانتهاكات. فبدون الحماية الصحيحة، يتخلى المبدعون عن الأنشطة أو يهاجرون لدول تقدر وتثمن مثل هذه المنتجات.
يمكن للأردن أن يشجع بسهولة نمو الصناعات الإبداعية داخليا. فالتكلفة لا تكاد تقارن إذا ما قورنت بالفوائد التي يمكن أن تنجم عن هذه الحوافز. كل ما هو مطلوب هو إنشاء مساحات ابداعية، كمدينة أو مدن للصناعات الإبداعية، والتطبيق الصحيح لحقوق الملكية الفكرية. وهناك حاجة ماسة أيضاً إلى تمكين التمويل والدعم لهذه الصناعات، من خلال صناديق لدعم البحوث والابتكار والابداع، وتحفيز المصارف على تمويل المختراعات والاعمال الابداعية لتصبح مشاريع ذات قيمة مضافة كبيرة وهامة لنمو وتنمية الاقتصاد الاردني، فكما يوضح تاريخ الدول المتقدمة: إن الأسواق والأنشطة الاقتصادية  تولد من رحم الدولة وليس خارجه أو بالصدفة.
هذا المقال مترجم من مقال نشر في موقع آم شام للكاتب

No comments:

Post a Comment