Monday, May 16, 2022

حول معيقات تمويل الصناعة في الأردن 16 5 2022


من الواضح أن البنوك الخاصة في الأردن تفضل إقراض قطاع البناء والأنشطة غير المنتجة مثل القروض الفردية، والتي عادة ما تكون موجهة نحو الاستهلاك. من ناحية أخرى، تجانب البنوك إقراض أحد أهم روافد التنمية الاقتصادية وهي الصناعة والابتكارات. إذا أراد الأردن تعزيز مسيرته نحو التنمية هناك دور هام للمنظّمين والدولة.

تُظهر نظرة سريعة على النسب المئوية للقروض المقدمة للصناعة من البنوك الأردنية الخاصة أنها بلغت في المتوسط 12.6٪ خلال 2019-2020، وهي نسبة منخفضة مقارنة بقروض البناء (25.7٪)، والأفراد (21.7٪).  بمعنى آخر، تتلقى الصناعة حوالي نصف الائتمان الذي تحصل عليه أي من هاتان المجموعتان من البنوك الخاصة.

لماذا الصناعة التحويلية مهمة؟ يُظهر التاريخ أن الدول التي تعمل على تحسين قطاعاتها الصناعية تنمو بشكل أسرع من غيرها. يؤدي النمو المبني على النمو الصناعي الى خلق المزيد من فرص العمل ذات الدخل المرتفع ، وزيادة الدخل، وإدخال التطورات والابتكارات للعملية الإنتاجية مما يزيد من إنتاجيتها (معدل الإنتاج للعامل أو رأس المال في الساعة أو اليوم أو العام) وانتاجها (الناتج الكلي للصناعة وروافدها) والقدرة التنافسية (تقاس للدولة بنسبة الصادرات فيها). وعليه تحصل الدول التي تتدخل لتحريك الصناعات نحو منتجات ذات قيمة مضافة (أجور وأرباح) عالية إلى تحقيق مكاسب أكبر.

صحيح أن تتلقى الشركات الخاصة في الاقتصادات المتقدمة ( نعم وحتى في أمريكا الاقتصاد الرأسمالي "الحر" الأكبر) دعمًا كبيرًا من القطاع العام لأنشطة البحث والتطوير. ففي سنغافورة مثلا، يأتي 60٪ من الإنفاق على البحث والتطوير من القطاع الخاص والباقي من الحكومة. في كوريا الجنوبية (الاقتصاد الأكثر ابتكارًا في العالم)، تبلغ هذه النسبة 78٪. وفي الولايات المتحدة يأتي 72٪ من الانفاق من قبل القطاع الخاص. علاوة على ذلك، يوفر القطاع العام البنية المؤسسية والإعانات الخاصة لدعم الإنفاق على البحث والتطوير كما تمول الحكومة مختبرات العلوم والبحوث الأساسية ويتم دعم البحث في الجامعات العامة والخاصة من خلال صناديق البحث الممولة من المال العام، بينما تضمن حكومات هذه الدول حقوق احتكار براءات الاختراع لتعظيم مكافآت المبدعين.

إذا كانت الصناعة مفيدة على المدى القصير والمتوسط والطويل، لماذا تفضل البنوك في الأردن كما هو مبين من الأرقام التاريخية تقديم الائتمان لأنشطة البناء والأفراد بدلاً من الصناعة؟ الأسباب عديدة:

·      الإجراءات: إن منح قرض لشخص ما لبناء منزل أو مجمّع سكني او تجاري يكاد يكون تمرينًا بسيطًا ومباشرًا، حيث يرسل البنك مُقيّما يقدم تقريرا بتخمين قيمة الممتلكات (الأرض أو الموقع)، وإن قرر البنك الإقراض فإنه يتملك العقار حتى يتم سداد القرض بالكامل. بالنسبة لمنح الائتمان للأفراد، إذا كان الشخص يعمل لدى الحكومة أو شركة كبيرة يتم تحويل راتب الشخص من صاحب العمل إلى البنك ويتم خصم اقتطاع شهري حتى يتم سداد القرض بالكامل. المقترض الفردي أقل تعقيدًا من حيث التفاوض على القرض من الصناعي، ومن المرجح أن يقبل بسعر فائدة أعلى على القرض. كلا النوعين من القروض يقدمان القليل جدًا من المخاطر ويتطلبان عمليات موافقة ومنح بسيطة وغير معقدة.

·      تعدد المخاطر: وفي المقابل تعتبر البنوك القروض المقدمة إلى الصناعة أكثر خطورة من أنواع القروض الأخرى بسبب مجموعة من المخاطر وفئات التعرض للمخاطر، كما ان المشروع الصناعي أكثر تعقيدًا من السكني او الفردي الاستهلاكي، ويتطلب تقييمه خبرة فنية متخصصة قد لا يملكها البنك. كما تتطلب المشاريع الصناعية عدة سنوات منذ البدء بالمشروع قبل تحقيق نقطة التعادل ومباشرة الربحية.

يعتبر تفضيل الإقراض للبناء على الصناعة ظاهرة عالمية، وهذا هو السبب في أن المُنظّمين (البنوك المركزية عادة) في الدول الناضجة اقتصاديا يضعون سياسات لتشجيع وتوجيه البنوك لإقراض الصناعة من خلال تقليل المخاطر بضمان جزء منها، و/أو الاستفادة من بنوك الاستثمار الحكومية (ممولة من قبل الحكومة) لمساعدة الصناعة على إدخال التكنولوجيا والفرص الاقتصادية الجديدة.

أيضا، تشمل سياسات وتدابير الدول المتقدمة توفير الائتمان المعاكس للدورة الاقتصادية، والأموال اللازمة لتحقيق استراتيجيات اللحاق بالركب، وتوفير التمويل طويل الأجل، والتمويل الداعم للابتكار ، وما إلى ذلك.

البنك الوحيد الذي كانت ترعاه الدولة في الأردن هو بنك التنمية الصناعية الأردني الذي تأسس في عام 1965 بمساعدة البنك الدولي ولكن للأسف تم الاستحواذ عليه في عام 2010 ليصبح بنكا خاصا وفقدت الصناعة هذا النوع من الدعم الذي هي بأشد الحاجة إليه. ربما سيقدم بعض المنفعة للصناعة صندوق تنمية الصناعات الممول المزمع انشاءه هذا العام بقيمة 110 مليون دولار منها قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 85 مليون دولار لتستفيد منه 500 شركة على الأقل.

يجب أن تُركّز الحكومة في سعيها لإصلاح الاقتصاد وجعله أقل اعتمادًا على المساعدات وتعزيز قدرته التنافسية على إدخال السياسات والتدابير التي تهدف إلى زيادة إنتاج القيمة المضافة وزيادة الإنتاجية في الصناعة من خلال الابتكار وزيادة الإنفاق على بحث وتطوير. دعونا لا ننتظر طويلا! 

No comments:

Post a Comment