Sunday, May 10, 2020

Jordanian Economic Perspective وجهة نظر اقتصادية أردنية: الجائحة والركود الاقتصادي والأزمة المالية 10 5 202...

Jordanian Economic Perspective وجهة نظر اقتصادية أردنية: الجائحة والركود الاقتصادي والأزمة المالية 10 5 202...: من الواضح أن أزمة الجائحة وأزمة الانكماش الاقتصادي والأزمة المالية تعتمد على بعضها البعض وتتداخل بشكل ديناميكي. وكلما طالت فترات هذه...

الجائحة والركود الاقتصادي والأزمة المالية 10 5 2020



من الواضح أن أزمة الجائحة وأزمة الانكماش الاقتصادي والأزمة المالية تعتمد على بعضها البعض وتتداخل بشكل ديناميكي. وكلما طالت فترات هذه الأزمات وتعمقت  أعمق وأطول، كان تأثيرها مجتمعة أكثر ضررا. مما يعني وجوب تخفيف حدتها مجتمعة وليس واحدة على حساب الأخرى. وأشير هنا الى التوصيات التي وردت حسب دراسة لمعهد بروكنغز[1]، وهو مركز دراسات عالمي مرموق، مع توفيق لهذه التوصيات مع الوضع في الأردن.
تحصل الاختناقات الصحية عندما يتجاوز عدد المرضى عددا أكبر من قدرة النظام الصحي على التعامل معها، وحين تصاحب هذا الاختناق فترات ركود طويلة وممتدة تنجم أضرار دائمة وعميقة حسب نوع وطبيعة الانتاج في البلد والقطاعات الأكثر تضررا (كقطاعي السياحة والنقل وغيرها في الأردن)، فيؤدي طول فترة ضعف العرض والطلب (وخاصة في بلد كان يعاني من فترة ركود طويلة بالأساس) إلى ارتفاع البطالة الهيكلية (في 2019 كانت البطالة الكلية 19%، وجزء كبير منها هيكلي تجذر في الهيكل العام للاقتصاد)، وانخفاض المخزون من رأس المال بشكل دائم، وتراجع الريادية والرغبة في الاستثمار أو انشاء المؤسسات. وينجم عن تراجع السيولة ضائقة مالية تتأثر خلالها حتى الشركات المنتجة والاكثر مناعة فتصبح التكلفة المالية اللازمة لاحقا لإنقاذ الشركات باهظة الثمن، وصعبة التحقيق (يعني فات الفاس بالراس!!!). لذا، يجب العمل على تسوية المشكلات الثلاث معا: الجائحة، والركود، والمالية.
ولا يُخفى أن العمل المتزامن على جميع هذه الجبهات (الطبية والمالية) يتطلب موارد أكبر مما هو متوفر حاليا لدى الحكومة. كما يحتاج الأردن كغيره من البلدان النامية إلى استراتيجية واضحة لزيادة الموارد العامة والخاصة وبعجالة وتنسيق تام (يعمل البنك الدولي على إطار يمكّن الدول من وضع استراتيجيات تتناسب مع ظروفها: قدرة القطاع الصحي، والحيّز أو السعة المالية في موازناتها، وتحفيز القطاع المالي، والتوسع النقدي).
ومن هذا الباب، هناك حاجة إلى تنفيذ سريع ومتزامن ومتسق لأربع مجموعات من الأدوات لتسوية المنحنيات الثلاثة معا:
1.   الصحة والحماية الاجتماعية: وهي السياسات الحكومية ذات الأولوية، بدءًا من التوسع في الاختبار والعلاج للمصابين، وتعيين كوادر طبية جديدة، والتأكد من وجود غرف العناية الحثيثة واجهزة التنفس، وتوسيع المساعدة الاجتماعية وخاصة للعمالة التي توقفت عن العمل بسبب الجائحة، وتقديم التحويلات النقدية إلى الأسر المتضررة (وهي أكفأ بكثير من الطرود الغذائية، لأنها تمنح المتلقي الحرية والكفاءة في الانفاق وحسب احتياجاته الفردية وليس كما تقرره المجموعة).
2.   السياسة المالية: وتشمل تأجيل دفع الضرائب والرسوم، وخفض المساهمات الاجتماعية، وتقديم قروض منخفضة الفائدة للشركات، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق في الموازنة، وتمويل العجز المالي في الموازنة من خلال التوسع في الاقتراض أو الحصول على المعونات واعادة جدولة ديون الأردن. ويبرز هنا أهمية عودة الحيوية للاقتصاد، فكلما طالت فترة الحجر كلما تقلصت المساحة المالية لدى الحكومة على المناورة دون دعم خارجي. كما يجب تخفيض الضرائب وخاصة تلك المبنية على الفترة وليس العمل كضرائب المسقفات.
3.   السياسة النقدية: أشرت في مقالات سابقة الى أن السياسة النقدية هي خط الدفاع الأول لكي لا تتحول أزمة السيولة الى أزمة مالية (إفلاس وتعطل المنتجين)،  وأعتقد أن لدى البنك المركزي مساحة واسعة للتعامل مع الأزمة النقدية الناجمة عن الحجر من خلال تخفيض سعر الفائدة، ولا ننسى أن الفارق بين سعر الفائدة على القروض يصل الى 5% تقريبا من سعر الفائدة على الودائع، وهي نسبة مرتفعة عالميا، كما أن ما قام به من توفير سيولة إضافية للبنوك رغم عدم حاجتها للسيولة في هذه المرحلة كان إجراء محمود وضروري وسيكون أكثر كفاءة إن مررته البنوك بالكامل للمؤسسات الانتاجية والافراد وصاحبه الزام للبنوك لإعادة جدولة الديون وتمديد فترات السماح للافراد والشركات لتفادي التحول الى أزمة مالية.
4.   السياسات الصناعية والتجارية: تخفيض متطلبات رأس المال، ومتطلبات ورسوم تسجيل الشركات، والتقليل من معيقات الاستيراد والتصدير كالاجراءات والرسوم الجمركية. والنظر في أي تعليمات (الشحن، والعمالة، والتسجيل، وتنظيم العقارات، وغيرها)  تؤدي الى زيادة كلف الانتاج في زمان تراجع فيه العرض والطلب.
وتقوم الحكومة حاليا بممارسة الكثير مما أوردت، وهو التوجه الصحيح برأيي، وربما يحتاج للاعلان عن استراتيجية مفصلة وشفافة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجائحة لا تنتهي بانخفاض عدد الاصابات، بل ستستمر طالما كان هنالك عمل. المطلوب تقليل اصاباتها من خلال التباعد الجسدي بين النشطاء وتمكين النظام الصحي للتعامل مع أي اصابات جديدة دون ايقاف النشاط الاقتصادي بل ودعمه بوتيرة لم يعتادها الأردن في السابق، وبتكامل وتظافر كافة مؤسسات الحوكمة فيه.  
 د. يوسف منصور


.

Tuesday, May 5, 2020

تحديات الاقتصاد بعد ازمة الكورونا 5 5 2020



تفاعل الاردن بشكل ممتاز من الناحية الصحية مع جائحة الكورونا، غير أن التحدي الأكبر سيكون كيفية العودة بالاقتصاد الى مرحلة التعافي أيضا. لذا، ادرج هنا بعض التحديات القادمة، وأرجو أن لا أكون متفائلا أو متشائما بل واقعيا، وأترك الحكم في هذا للقارىء.
الإنفاق العام على الأنظمة الصحية،  تُظهر أزمة COVID-19 وجوب تخصيص المزيد من الانفاق على الانظمة الصحية في الأردن، فلولا الحجر لبدى ضعف هذه الأنظمة واضحا كسلعة عامة وضرورية وقد يستفيد الأردن هنا من كونه شابا من الناحية الديموغرافية حيث ترتفع فيه نسبة الشباب.
الدين العام، ستزداد مديونية الحكومة، وهي مرتفعة أصلا، نتيجة الحجر والتوقف الاقتصادي وفترة التعافي الطويلة ما بعد العودة للعمل، فمن الواضح أن العديد من القطاعات لن تعود للعمل بشكل تام، وخاصة السياحة والنقل. وبما أن الحكومة تُحصّل 30% من الناتج المحلي الإجمالي على شكل ضرائب ورسوم فإن دخلها سينخفض بهذه النسبة مع تراجع الاقتصاد الكلي. واعتقد بأنه سيكون هنالك تراجع هذا العام يفوق غالبية التوقعات السائدة من المنظمات الدولية حيث أن التراجع سيعتمد على طول فترة الحجر، وسرعة عودة الاقتصاد ولا أعتقد أنه سيعود الى ما سبق بسرعة، بل أن الأثر سيتناقص على مدى عام أو أكثر، وسيعتمد على كون السياسة النقدية فاعلة وغير تقليدية بشكل كبير.
الدين الخاص والانتعاش الضعيف والبطالة، كما أن فقدان الدخل للعديد من الأسر والشركات يعني أن مستويات ديون القطاع الخاص قد تصبح غير مستدامة، مما قد يؤدي إلى حالات تخلف عن السداد وربما الإفلاس. وإلى جانب المستويات المرتفعة للدين العام، فإن هذا كله سيؤدي الى انتعاش ضعيف. وكما صرح وزير العمل اليوم فإن 406 منشأة ( يعمل فيها 9775 عامل) طلبت السماح لها بالتوقف عن العمل، لذا نتوقع ارتفاع ارقام البطالة من نسبتها الحالية والتي تفوق 19%.
تزايد مخاطر الركود العميق، وخاصة أن الاقتصاد الأردني دخل الأزمة  وهو في ركود طويل وعميق، وستخلق الأزمة وتبعاتها ركودًا إضافيا في مبيعات وانتاج السلع المعمرة وتلك التي تشكل جزء كبير من الدخل، كما ستتراجع مبيعات السلع الكمالية بشكل كبير، ولتفادي ذلك يجب على بائعي هذه السلع تقديم الخصومات، وسيصاحب ذلك ايضا جهود لخفض التكاليف من قبل أصحاب العمل خاصة اذا ما بقيت أسعار الطاقة مرتفعة والبيروقراطية واجراءاتها كما هي وكلفة الاقتراض على هيكليتها. اي أننا لتخفيض هذا الأثر يجب أن نخفف تكاليف الانتاج وخاصة مع انخفاض فاتورة النفط العام الماضي بنسبة 23% وانخفاضها بشكل أكبر كما هو متوقع لهذا العام.
الدينار سيظل بخير، فالاحتياطي من العملات الصعبة والذهب كبير وفي اعلى المستويات ويكفي لأكثر من سبعة شهور من الواردات، ومع انخفاض اسعار الواردات ومن ضمنها الطاقة سيغطي الاحتياطي أكثر من تسعة شهور.  وبما أن الأردن يُصدّر المواد الخام والكيماويات والملابس بالأساس فإن صادراته تغطي حوالي 40% من وارداته، فلا يوجد اي داع لتخفيض العملة لتحفيز الصادرات لأن حجم الصادرات أقل بكثير من الواردات. وعادة تخفض الدول المنتجة (كالصين مثلا) عملاتها لتحفيز الصادرات، أما في الأردن فإن التخفيض يضر بالاقتصاد كثيرا حيث يجعل الواردات أكثر غلاء بالنسبة للجميع ويزيد من حجم المديونية بالنسبة للدينار.
التضخم، لا خوف لدينا من التضخم، وهو ما تحاربه البنوك المركزية في الدول الكبرى وليس في الأردن حيث أن غالبية التضخم مستورد، كما أن التضخم في 2019 في الأردن كان 0.3% اي 3 بالألف نتيجة الركود وانخفاض أسعار الطاقة والسلع الاساسية التي نستوردها، لذا فإن أي ارتفاع في الاسعار، إن حصل، سيكون قليلا، وغير ذي أثر يذكر.
تسارع التحول الرقمي (الديجيتالي) مع الكورونا، وهو ما سيخلق فرص عمل جديدة، ولكنه سيؤدي أيضا إلى فقدان البعض لوظائفهم أو عملهم ويقلل من كسبهم، مما سيوسع الفجوات في الدخل والثروة، ويغير من سلاسل التوريد  ويتطلب تحولات استثمارية ورأسمالية ضخمة نسبيا، وهو أمر قد تستطيعه بشكل أفضل تلك الدول المتقدمة ومنخفضة تكاليف الانتاج ومنها التمويل، وستعاني منه الأسواق الأعلى تكلفة، وسيؤدي للضغط هبوطيًا على الأجور. وسيعاني من هذا التحول بشكل كبير العمالة الضيف المقيمة في الأردن واللاجئين وخاصة في القطاع غير المنظم.
عالميا، ستنحسر العولمة (وقد بدأت بذلك فعلا ادارة ترمب)  ويصبح التوجه اكثر نحو شيطنة الآخر، واعتماد سياسات حمائية أكثر لحماية الشركات والعمال المحليين من الاضطرابات العالمية والمنافسة داخل أسواقها، وفرض قيود أكثر صرامة على حركة السلع والخدمات ورأس المال والعمالة والتكنولوجيا والبيانات والمعلومات. ولقد ظهرت دلالات هذا التوجه واضحة في قطاعات الأدوية والمعدات الطبية والغذاء حيث تفرض الحكومات قيودًا على الصادرات وتدابير حمائية أخرى استجابة للأزمة. وقد ينجم عن شيطنة والقاء اللوم على الآخر مواجهة جيواستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وقد بدأ ذلك فعلا مع  مع القاء إدارة ترامب اللوم على الصين في هذا الوباء، وستدّعي الصين أن أمريكا تتآمر لمنع تفوق الصين اقتصاديا، مما سيزيد من حدة الانفصال الذي بدأ بينهما وربما المواجهة، خاصة مع قرب الانتخابات الامريكية وحاجة ترمب مثل أي دكتاتور لوجود عدو خارجي يكون شماعة يعلق عليها فشله في ادارة الأزمة.

د. يوسف منصور